للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: وهذا مذهبُ أهل الظاهر؛ غَسْلُ باطن العينين، واحتجُّوا بقوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦]، ولا حجَّة لهم في الآية؛ لأن الوجه مشتقٌّ من المواجهة، وذلك يكون بالظاهر دون الباطن، وفعلُ ابن عمر وابن عبَّاس من أدَلّ الدليل على الكراهة لأنه ذهب ببصريهما، وفعلُ ما يُخاف منه ذهاب البصر أو بعضه حرام بإجماع الأمة. وقيل: إن العين شحم، والشحم لا يقبلُ الماء. وكان والصحابة لا يغسلون باطن عيونهم، وكفى به قدوة] (١).

وكان أعلمَ الناس بالمناسك؛ كان معاوية بن أبي سفيان بالأبطح ومعه بنتُ قَرَظة زوجتُه، وإذا هو بجماعةٍ على رِحالٍ لهم، وشابٌّ منهم قد رفع عَقِيرَتَه وهو يقول:

مَنْ يُساجِلْنِي يُساجِلْ ماجدًا … أخضرَ الجِلْدةِ من بيتِ العَرَبْ

فقال: مَنْ هذا؟ فقالوا: عبد الله بنُ جعفر. فقال: خَلُّوا له الطريق فليذهب.

وإذا بآخر قد قدم وهو يقول:

بينما يذكُرْنَنِي أبْصَرْنَنِي … عند قِيدِ المِيلِ يسعى بي الأغَرّ

قُلْنَ تَعْرِفْنَ الفتى؟ قُلْ نعم … قد عرَفْناه وهل يخفى القَمَرْ؟

فقال: من هذا؟ قالا: عُمر بن عبد الله بن أبي ربيعة الشاعر، فقال: خلُّوا له الطريق فليذهب.

ثمَّ مرَّت جماعةٌ، وإذا رجل بينهم يُسأل، فقال له رجل: رميتُ الجمار قبل أن أحلق، وقال آخر: حلقت قبل أن أرمي؛ لأشياء أشكلَتْ عليهم من مناسك الحج، فقال معاوية: من هذا؟ قيل: عبد الله بنُ عمر. فالتفتَ معاويةُ إلى ابنة قَرَظة وقال: هذا -وأبيكِ- الشرف، هذا -واللهِ- شَرَفُ الدنيا والآخرة (٢).


(١) من قوله: وكذا ابنُ عباس … إلى هذا الموضع (وهو ما بين حاصرتين) من (ص) و (م).
(٢) جمهرة نسب قريش ٢/ ٧٨٨ - ٧٨٩. وأخرجه من طريقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" ٣٧/ ٧٩ (طبعة مجمع دمشق).