للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها سار الحجَّاج من الكوفة إلى البصرة، واستخلفَ على الكوفة أبا يعفور عروةَ بنَ المغيرةِ بن شعبة، فلم يزل عليها حتى رجع الحجاج إليها بعد ما أوقع بأهل البصرة (١).

[قال هشام:] ولما قدم الحجَّاج البصرةَ خطب بنحو ما خطبَ بالكوفة، وتوعَّد الناس، وجاءه شريك بن عمرو اليشكري وهو مريض به فتق وهو أعور، وعينُه الصحيحةُ عليها قطنة (٢)، وكان من أشراف أهل البصرة، فقال له الحجَّاج: ألم آمُرْك بالمسير إلى المهلَّب؟! فقال: أيُّها الأمير، قد ترى حالي وما أنا فيه، وقد عَذَرَني بِشْرُ بنُ مروان، وهذا عطائي مردود في بيت المال. فضرب عنقه، فأفزعَ ذلك أهل البصرة.

وخرج الحجَّاج فنزل رُسْتقاباذ، وبينها وبين الأهواز ثمانيةَ عشرَ فرسخًا، وإنما قصد أن يشدَّ ظهر المهلَّب، ويُضعف أمرَ الخوارج (٣).

[وقال الهيثم:] ثم إنَّ الحجَّاج خطبَ وقال: هذا واللهِ مُقامكم جمعةً بعد جمعة، وشهرًا بعد شهر، وسنة بعد سنة، حتى يُهلك الله، الخوارج المطلِّين عليكم (٤).

وقال [هشام: قال الواقدي: قال الحجاج] في خطبته: ألا وإنَّ الزيادة التي زادكم ابنُ الزبير في العطاء زيادةُ فاسق، فلا أُجيزُها. وكانت مئة مئة، فقام إليه عبد الله بنُ الجارود العبدي، فقال: إنها ليست زيادةَ فاسق ولا منافق، وقد أمضاها أمير المؤمنين على يد أخيه بشر بن مروان، فأثبتَها لنا. فكذَّبه الحجَّاج وتَوَعَّده [فكان ذلك سببًا لخروجه عليه.

وقال البلاذُري:] وقال له: ما أنتَ والكلام؟ لتُحسنَنَّ حملَ رأسك وإلا سلبناك إيَّاه. فقال: والله إنني لك لناصح، وإنه لَقولُ مَنْ ورائي (٥).


(١) تاريخ الطبري ٦/ ٢١٠.
(٢) في "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٩٥: وكان أعور يضع على عينه قطنة.
(٣) ينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٩٥ - ٣٩٦، و"تاريخ" الطبري ٦/ ٢١٠.
(٤) أنساب الأشراف ٦/ ٣٩٧.
(٥) أنساب الأشراف ٦/ ٢٩٨. وينظر "تاريخ" الطبري ٦/ ٢١١.