ثم اقتتلوا، وحمل عليهم شبيب فانضموا إلى زائدة بن قُدامَة، وقد قتل مَصَاد أخو شبيب منهم جماعة، فترجّل زائدة ونادى: يا أهل الإسلام، يا أهل الحِفاظ، إليَّ إليّ، وجاء الليل والقتال يعمل إلى السَّحَر، ثم إن شبيبًا شدَّ على زائدة بن قدامة في جماعة من أصحابه، فقُتل زائدة مقبلًا غير مُدبر وجماعة من أهل الحفاظ معه، وهناك جَوْسَق عظيم فدخله أَعْين صاحب حمام أعْين ومعه أبو الضُّرَيس وجماعة (١)، ونادى شبيب: ارفعوا السيفَ عنهم، فرفعوه عند الفجر، وقال: ادعوهم إلى البيعة.
ووقف شبيب على فرسه وأصحابه حوله، فكلّ مَن بايعه بإمرة المؤمنين أخذ سلاحه وأطلقه، ولما طلع الفجر ومحمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله واقف في أقصى عسكر الحجَّاج، أمر محمد مؤذّنه فأذّن، فقال شبيب: ما هذا؟ قالوا: محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي في أقصى العسكر، معه عِصابةٌ من قومه قد صبروا، فقال شبيب: قد ظننتُ أن حُمقه وخُيَلاءه سيَحمله على هذا.
ثم صلّى شبيب الفجر بأصحابه، وركب فعطف على محمد، وحمل عليه محمد وأصحابه -ومحمد يقرأ: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ١ - ٢] الآيات، فقتله شبيب كَرهًا لما نذكر. ثم هرب الذين بايعوا شبيبًا إلى الكوفة، وكان ممن بايعه تلك الليلة أبو بُردة بن أبي موسى، فلما بايعه قال له شبيب: من أنت؟ قال: أبو بردة بن أبي موسى، فقال شبيب لأصحابه: أبو هذا أحد الحَكَمين ألا أقتله؟ قالوا: لا ذنبَ له، ولا تزر وازِرَةٌ وزْرَ أخرى، فتركه. ولما ارتفع النهار أقبل شبيب على الجَوْسَق الذي فيه أعين وأبو الضُّرَيس وقد تحصّنا منه، فرَمَوه بالنَبْلِ، فأقام عليهم يومَه، فلم يقدر منهم على شيء، فرجع عنهم، فقال له أصحابه: اطلب بنا الكوفة فما دونها مانع، فقال: فيكم جِراحات، فاصبروا حتى تَبرأ.
وسار نحو المدائن، فجهّز الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في ستة آلاف من فرسان الكوفة ووجوه الناس وأشرافهم، وخرج معه ست مئة من كِندة وحَضْرَمَوت، فخرج فعسكر بدَيْر عبد الرحمن، وخرج إليه الناس فكتب إليه الحجاج كتابًا، وأمره أن يقرأه على أصحابه، يقول فيه:
(١) في الطبري ٦/ ٢٤٦: ولما قتل شيب زائدة دخل أبو الضريس وأعين جوسقًا عظيمًا. والجَوْسَق: القصر.