للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسَك على العَزْل ولا تَبعث به، فإن له عندنا يَدًا، قال: وما يَدُه؟ قال: لَزم المهلَّبَ مئتا ألفِ دينار، فأداها طلحة عنه، فأرسله يزيد. وفيه يقول الفرزدق: [من الكامل]

وجدَ ابنُ طلحةَ يومَ لاقى قومَه … قَحطانَ يوم هَراةَ نِعمَ المَعْشَر (١)

وبلغ الحجاج ذلك، فحقد على يزيد وعزله بعد ذلك.

قال هشام: ولما قُدم بالأسرى على الحجاج قال له موسى بن عبيد الله بن معمر (٢): أصلح الله الأمير، كانت فتنةً شَمِلت البرَّ والفاجر، فدخلنا فيها، وقد أمكنك الله منا، فإن عفوتَ فبحلمِك وفَضلِك، وإن عاقبتَ عاقبتَ ظَلَمةً مُذنِبين، فقال الحجَّاج: أما قولُك: شَمِلت البرَّ والفاجر فكذبتَ، ولكنها شَمِلت الفُجَّار وعُوفي منها الأبرار، وأما اعترافُك بذَنْبِك فعسى أن يَنفعك، فرجا الناسُ له العافية.

وقُدِّم إليه الهِلْقَام بن نعيم، فقال له الحجَّاج: أخبرني، ما رَجوتَ من اتِّباعك ابنَ الأشعث، أرجوتَ أن يكون خليفة؟ قال. نعم، وطمعتُ أن يُنْزِلَني منزلتَك من عبد الملك، فغضب الحجاج وقال: اضربوا عُنقه فقُتل، ونظر إلى موسى فقال: اضربوا عُنقه. فقُتل، وقَتلَ بقيَّتَهم.

ذكر حضور الشَّعبي عند الحجّاج:

قال المدائني: ونادى الحجَّاج بعد يوم الجَماجم: مَن لَحق بقُتيبةَ بنِ مُسلم بالرّيّ فهو آمن، فلحق به ناسٌ كثير منهم عامر الشَّعبي، فذكره الحجاج يومًا وقال: أين هو؟ قالوا: عند قُتيبة، فقال لكاتبه يزيد بن أبي مُسلم: اكتب إلى قُتيبة يُسَرِّح إلينا (٣) عامرًا، فكتب إليه، قال الشعبي: وكنتُ صديقًا لابن أبي مسلم، فلما قدم بي على الحجاج لقيتُ ابن أبي مُسلم فقلت: أشرْ عليَّ، فقال: والله لا أدري بمَ أُشير عليك به، غير أنك اعتذِرْ ما استطعتَ، وأشار علي، أصحابي وإخواني بذلك، قال: فلما دخلتُ سلمتُ عليه وقلت: أيها الأمير، إن الناسَ أمروني أن أعتذرَ إليك بغير ما تَعلَمُ مني، وإن الله غيَّرَ ما عزمتُ


(١) في الطبري: خير المعشر.
(٢) في الطبري ٦/ ٣٧٤، و"أنساب الأشراف" ٦/ ٤٦٧: عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر وانظر ما سلف ص ٢٩٧.
(٣) في (خ): لنا.