للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، والله لا أقول في هذا المقام إلا حقًّا، والله لقد حرَّضنا وجَهِدنا عليك كلَّ الجهد، فما ألَوْنا، وما كنَّا بالأقوياء الفَجَرَة، ولا الأتقياء البَرَرَة، ولقد نَصرك الله علينا وظَفَّرك بنا، فإن سَطَوتَ فبذنوبنا، وما جَرَّت إليه أيدينا، وإن عَفوتَ فبحلمك، وبعد الحجَّة لك علينا، فقال له الحجاج: أنت والله أحبُّ قولًا إلينا ممَّن يَدخُلُ علينا يَقطُر سيفُه من دمائنا، ثم يقول: ما فعلتُ ولا شَهِدتُ، انصرف فقد أَمِنت.

فلما مشيتُ قليلًا قال: هلمَّ يا شعبيّ، فوَجِل قلبي، ثم ذكرتُ أمانَه فاطمأنَّتْ نفسي، فقال: كيف وَجَدَت الناسَ بعدنا؟ فقلت: أصلَح الله الأمير، اكتحلتُ والله بعدك (١) السَّهَر، واستوعَرْتُ الجَنَاب، واستحلستُ (٢) الخوفَ، وفقدتُ صالحَ الإخوان، ولم أجد من الأمير خَلَفًا، فقال: انصرِفْ، وكان له مُكرمًا.

وقال الطبري (٣): كان الشعبي ممَّن خرج على الحجاج مع القُرَّاء، وشهدَ ديرَ الجماجم، وكان ممَّن أفلتَ فاختفى زمانًا، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مُسلم أن يُكلِّم له الحجَّاج، فأرسل إليه يزيد: إني والله ما أَقدر على ذلك، ولا أجترئُ عليه، ولكن تحيَّنْ جلوسَه للعامَّة، ثم ادخُل عليه فامثُلْ بين يديه واعتَذرْ، واستشهِدْ بي على ما أحببتَ أشهدْ لك، ففعل الشعبيُّ، فلم يشعر الحجاج به إلا وهو قائمٌ بين يديه، فقال: أشعبيّ؟ قال: نعم أصلح الله الأمير، قال: ألم أقدَم البلدَ وعطاؤك كذا وكذا، فزدتُ في عطائك ولا يُزادُ مثلُك؟ قال: بلى، قال: ألم آمُر أن تَؤمَّ قومَك ولا يؤمُّ مثلُك؟، قال: [بلى، أصلح الله الأمير، وقال:]، ألم أُعَرِّفْك على قومك ولا يُعَرَّف مثلُك؟ قال: بلى، قال: ألم أُوفِدْك على أمير المؤمنين ولا يُوفَدُ مثلُك؟ قال: بلى، قال: فما الذي أخرجك عليَّ؟ قال: أصلح الله الأمير، خَبَطَتْنا فِتنة، فما كنا فيها بأبرار أتقياء، ولا فُجَّارٍ أقوياء، وقد كتبتُ إلى يزيد بن أبي مسلم أعلمه ندامتي (٤) على ما فَرط منّي،


(١) في (خ): بعدكم. والخبر في الطبري ٦/ ٣٧٥.
(٢) أي: لزمتُ، ووقع في (ب): واستجللت، وفي النسخ الأخرى: استجلست. والمثبت من الطبري.
(٣) لم أقف عليه في تاريخه، وأخرجه ابن سعد ٨/ ٣٦٨، وعنه ابن عساكر ٢١٢ - ٢١٣ (عاصم- عائذ).
(٤) في النسخ: إنه بدا مني، والمثبت من المصدرين السالفين. وما سلف بين حاصرتين منهما.