للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي سنة أربع وأربعين غزا المهلَّبُ أرضَ الهند، وولاه مصعب بن الزبير الجزيرة بعد قتل المختار، وغزا في خلافة عثمان رضوان الله عليه، وولي لبني أمية ولايات كثيرة، وأوفده سالم بن زياد على يزيد بن معاوية بهدايا كثيرة، فقدم على يزيد وهو بحُوَّارِين، واعتلَّ المهلَّبُ بالشام، فكان يزيد يعودُه، ويبعث إليه في كلِّ يومٍ بدواءٍ مختوم.

وقال خليفة: وَلّاه مصعب البصرة نيابة عنه، وولاه الحجاج خراسان في سنة ثمان وسبعين، وولاه إياها عبد الملك في سنة تسع وسبعين (١).

وقاتل أصحابَ أبي راشد (٢) نافع بن الأزرق، وكانوا خرجوا من البصرة فغلبوا على الأهواز وكُوَرِها، وما وراءها من بلد فارس وكَرْمان في أيام عبد الله بن الزبير، وقتلوا عُمَّاله بتلك النواحي، وكان مع نافع من أمراء الخوارج قَطَريّ بن الفُجاءة، وعطيّة بن الأسود الحَنفيّ، وعُبيدة بن هلال اليَشْكُريّ، وكانوا زُهاء ثلاثين ألفًا ممّن يرى رأيَهم، وكان عبد الله بن الحارث بَبَّه قد ولي البصرة عَقِيب إخراج عُبيد الله بن زياد منها، وأقرَّه ابن الزُّبير، وكان الخوارج قد ثاروا في زمنه، فجهز إليهم الجيوش وهم يهزمونها، وذلك في سنة أربع وستين، فبعث إليهم المهلَّب فأقام يُحاربهم تسعَ عشرة سنة؛ إلى أن ظهر عليهم في أيام الحجاج، وقَدِم عليه البصرة، فأكرمه وأجلسه معه على سريره، ووصل أصحابَه.

ومات نافع بن الأزرق وهم في حرب المهلَّب، فولَّوْا عليهم قَطَريَّ بن الفُجَاءة، وسمَّوه أميرَ المؤمنين، فخوطب بإمرة المؤمنين ثلاثَ عشرة سنة.

قال المغيرة بن محمد المُهَلَّبي (٣): لما قاتل المهلَّب الأزراقة كان يَحترز من البَيات، فكان هو وابنُه المُغيرة يَدوران في أقاصي العسكر، ويَحرُسان الناس، فبينما هما ذات ليلة يَحرسان إذ مرّ بهما فارس مُتَلَثِّم قد سَتَر وجهَه وسائرَ بدنه بالحديد، فناداهما: أيّ شعرائكم يقول: [من الكامل]


(١) "تاريخ خليفة" ٢٦٨، ٢٧٦، ٢٧٧، وانظر "تاريخ دمشق" ١٧/ ٤٤٥ - ٤٤٦.
(٢) في المخطوطات: رافع، وهو خطأ.
(٣) الخبر في "تاريخ دمشق" ١٧/ ٤٤٧ من رواية المغيرة بن محمد عن أبيه.