للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطَوى الطِّرادُ مع القِياد بطونَها … طَيَّ التجار بحضرموتَ بُرودا (١)

فقال المهلّب: هو جرير، فقال: هو والله أشعرُ شُعرائكم، ثم ولى، فقال المهلب: هذا والله قَطَرِيّ بن الفُجاءة.

ذكر وصية المهلب لأولاده، وطرف من كلامه وأخباره:

لما مرض دعا مَن عنده من بنيه وقال: أوصيكم بتقوى الله وصلة الرَّحم، وأنهاكم عن القطيعة، واعرفوا لمَن يغشاكم حقَّه، ويكفي غُدوَّ الرجل ورَواحَه إليكم تذكرة، وعليكم في الحرب بالأناة والمَكيدة؛ فإنها أنفع من الشجاعة، وعليكم بقراءة القرآن، وتعلُّمِ السنن وآداب الصالحين، وعليكم بالصَّمت، وإياكم كثرة الكلام، وعليكم بالاجتماع، واحذروا الفُرقة.

ودعا بسهامٍ فربطها وقال: اكسروها، فلم يقدروا، ففرَّقها وقال: اكسروها، فكسروها، فقال: كذا أنتم إذا اجتمعتم وتفرَّقتُم، أخذه من قول ابن عبد الأعلى الشيباني: [من الكامل]

إن القِداحَ إذا اجتمَعْنَ فرامَها … بالكَسْرِ ذو حَنَقٍ وعِزٍّ (٢) أَيِّدِ

عَزتْ فلم تُكْسَرْ فإن هي بُدِّدَتْ … فالكَسْرُ والتَّوهينُ للمُتَبَدِّدِ

قال المهلَّب لابنه يزيد: يا بُنيّ، إياك والإسراع إلى "نَعَم" عند السؤال؛ فإن أولَها سَهْل، وآخرَها وَعْر، وإن "لا" وإن قَبُحَتْ فربما رَوَّحَتْ.

وقيل للمهلب: بمَ نِلتَ ما نلت؟ فقال: بطاعة الحزم، وتجديد العزم، وعصيان الهوى.

وقال: ما شيء أَبْقى للمُلك من العَفو.

وقال: يُعجبني أن أرى عقلَ الكريم زائدًا على لسانه، ولا يُعجبني أن أرى لسانَه زائدًا على عقله.


(١) البيت لجرير، وهو في صفة خيل، انظر ديوانه ١/ ٣٣٩ (بشرح ابن حبيب).
(٢) في (أ): وبطش، وهي رواية في البيت، ونسبهما لابن عبد الأعلى: ابن الجوزي في المنتظم ٦/ ٢٧٥، وهما من قصيدة تمثل بها عبد الملك كما في التعازي والمراثي للمبرد ١٢٤ - ١٢٥.