للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال إسماعيل بن إبراهيم عن أبيه: تهيّأ مصعب بن الزبير للقاء عبد الملك، وسار حتى نزل باجُمَيرا -قرية على شطّ الفرات دون الأنبار بثلاثة فراسخ- وجاء عبد الملك في جيوشه يَؤمُّ العراق لقتاله، فقال لرَوْح بن زِنباع وهو يتجهّز: والله إن في أمر هذه الدنيا لَعَجبًا، لقد رأيتُني أنا ومصعب أفقده الليلة الواحدة من المكان الذي نجتمع فيه، فكأني والله والِهٌ، ويفقدني فيفعل مثل ذلك، ثم صرنا إلى السيف، ولكن هذا المُلك عَقيم، [ليس] أحد يُريده من وَلَدٍ ولا والد إلا كان السَّيف (١).

[وحكى ابن سعد عن الواقدي قال:] أول من أحدث ضَرب الدنانير والدراهم ونقش عليها عبد الملك في سنة خمس وسبعين، وكانت مَثاقيل الجاهلية اثنين وعشرين قيراطًا إلا حبَّة بالشامي، [قال:] وأقام الحج سنة خمس وسبعين للناس، فلما مرَّ بالمدينة نزل في دار أبيه، فأقام أيامًا، ثم خرج وخرج معه الناس إلى ذي الحُلَيفة، فقال له أبان بن عثمان: أَحْرِم من البَيداء، فأَحْرَم [عبد الملك من البيداء.

قال:] وخطب في حجته في أربعة أيام: قبل التَّروية، ويوم عَرَفة، والغد من يوم النَّحْر، ويوم النفر الأول (٢).

وقال ثعلبة بن أبي مالك القُرَظيّ: رأيت عبد الملك صلى المغرب والعشاء في الشِّعْب، فأدركني دون جَمْع، فسرتُ معه فقال: صلّيتَ بعد؟ قلت: لا لَعَمري، قال: فما منعك من الصلاة؟ قلت: إني في وقت بعد، فقال: لا لعمري ما أنت في وقت، [قال: لعلك] ممن يَطعن علي أمير المؤمنين عثمان؟ فأشهد على أبي أخبرني أنه رآه صلّى المغرب والعشاء في الشِّعب، فقلت: ومثلُك يا أمير المؤمنين يتكلم بهذا وأنت الإمام! وما لي وللطَّعنِ عليه وعلى غيره؟ قد كنتُ له مُلازمًا، ولكني رأيتُ عمر لا يصلّي حتى يبلغ جَمْعًا، وليست سنّة أحبّ إليّ من سُنَّة عمر، قال: رحم الله عمر، فعثمان كان أعلم بعمر، ولو كان عمر فعل هذا لاتَّبعه عثمان، وما خالف عثمان عمر في شيء من سيرته إلا باللّين، فإن عثمان لان لهم حتى رُكب، ولو كان أغلظ لهم جانبه كما فعل عمر ما نالوا منه ما نالوا، وأين الناس الذين نسير فيهم بسيرة عمر بن


(١) "طبقات ابن سعد" ٧/ ٢٢٤، وما بين معكوفين منه، والخبر ليس في (ص).
(٢) "طبقات ابن سعد" ٧/ ٢٢٦، ٢٢٧. وما بين معكوفين من (ص).