للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان إذا جهز جيشًا إلى الروم يقول للأمير عليهم: أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمُضارِب الكيس؛ الذي إن وَجَد رِبحًا تجر، وإلا حفظ رأسَ المال، ولا تطلُب الغَنيمةَ حتى تحوزَ السَّلامة، وكن من احتيالك على عدوِّك أشدّ حذرًا من احتيال عدوِّك عليك (١).

[وقال الشعبي: أول من قال على المنبر: اللهم أصلح عبدك وخليفتك].

وقال الزهري: كان عبد الملك من الدين والورع على باب واسع، فلما وَلي الخلافة تغيرت حالُه، وهو أول خليفة أمر بالمنكر ونهى عن المعروف (٢).

لما قتل ابنَ الزبير، واستقام له الأمر، وحج في سنة خمس وسبعين؛ قدم المدينة فوبَّخ أهلها وقال: أذكرُكُم بأيام الله، فناداه رجل: ننشدك الله الذي ذكَرتَنا به، فغضب وقال: لست بالخليفة المُداهِن، يعني معاوية، ولا بالخليفة المأفون، يعني يزيد، ولا بالخليفة المُسْتَضْعَف، يعني معاوية بن يزيد، ألا وإني لا أُداري هذه الأمة إلا بالسيف لتستقيم لي قَناتُهم، ألا وإنكم تكلِّفونا أعمال المهاجرين الأوَّلين، ولا تعملون منها بشيء، وتأمرونا بتقوى الله وتنسون أنفسَكم، وإنني أقسم بالله يمينًا برَّةً؛ لا يأمرني أحدٌ بعد مقامي هذا بتقوى الله إلا ضربتُ عنقه، ثم قرأ الزُّهري: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ الآية [البقرة: ٢٠٦].

ولما قال هذه المقالة ناداه رجل: أما والله لولا نسبك من المُداهِن، وقُربك من المأفون، وسَبيلك (٣) من المُسْتَضْعَف؛ لكنتَ أبعدَ منها من العَيُّوق، والله ما أخذتَها بوراثة سابقة، ولا بدعوى صادقة، ولا بوصيّةٍ نافذة، ولا باستحقاق، فأُفحم عبد الملك.

[قال المدائني:] وخطب يومًا فقام إليه رجل من أهل اليمن فقال له: إن محمد بن يوسف يسفك (٤) الدم الحرام، ويأخذ المال الحرام، ويفعل ويفعل، فقال له: اسكت، فقد سمعتُ أنها تكون خلافةً، ثم مُلكًا، ثمَّ جَبرية، وهذه جَبريّة.


(١) "العقد الفريد" ١/ ١٣٢.
(٢) "المنتظم" ٦/ ٣٩. ووقع هذا القول في (ص) بعد قوله: وكان لعبد الملك إقدام على سفك الدماء … الآتي قريبًا.
(٣) في "العقد الفريد" ٤/ ٩٠ - ٩١: سببك، وينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٣١٩.
(٤) في (أ) و (خ) و (د): من أهل اليمن يقال له محمد بن يوسف فقال تسفك، والمثبت من (ص)، والخبر في "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٣٩، وفيه أن القائل: تكون خلافة … هو الرجل اليمني.