للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيها الناس، من أبدى لنا صَفْحَتَه ضربْنا الذي فيه عيناه، ومَن اعترف لنا بالطاعة أكرمناه، ومَن سكت عنا سكت على مَضض مات بدائه (١)، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

وقيل: إنه لما صعد المنبر استرجع وقال: والله المستعان على مُصيبتنا بأمير المؤمنين، والحمد لله على ما أنعم به علينا من الخلافة، قوموا إلى البَيعة، فكان أول من قام عبد الله بن هَمَّام السَّلوليّ الشاعر، فارتجز:

الله أعطاك التي لا فَوقَها … وقد أراد الحاسدون عَوْقَها

عنك وَيأبى الله إلا سَوْقَها … إليك حتى قَلَّدُوك طَوقَها

ثم بايعه وبايعه الناس.

وقال أبو مَعْشَر: قال الوليد على المنبر: أيها الناس، إنها مصيبة ما أعظَمَهما، ونعمة ما أَجَلَّها، فإنا لله وإنا إليه راجعون على الرَّزِيَّة، والحمد لله على العَطيّة، فقام رجل من ثقيف -والناس لا يدرون كيف يُعزُّونه ويُهَنِّئونه- فقال: يا أمير المؤمنين، أصبحتَ قد رُزئتَ خيرَ الآباء، وتسمَّيتَ بخير الأسماء، وأُعطيت خير الأشياء، فبوَّأَك الله الصَّبر، وأعظم لك الأجر، وأوزعك حُسنَ الثَّواب على المصاب، فأَعجب الوليد فقال: كم عطاءك؟ فقال: مئة، بالنصب، وكان الوليد لُحَنَة، فقيل للرجل: لمَ لَحَنْتَ؟ فقال: لأن الوليد لحن فوافقتُه، ثم نزل الوليد من المنبر فعزّاه الناس بأبيه، ثم هنَّؤوه بالخلافة، ووصل الرجلَ وزاد في عطائه (٢).

ذكر قصة عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان:

قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، حدثنا رستم بن أسامة، محن عبد السلام (٣) بن حرب قال: لما تَصدَّع الناس عن قبر عبد الملك وقف عليه


(١) لعلَّ قوله: سكتَ على مضض -إن صحَّ السياق- تفسير لقوله: سكتَ عنا. وعبارة المصادر: ومن سكتَ مات بدائه. ينظر تاريخ الطبري ٦/ ٤٢٣، واليعقوبي ٢٨٣، والعقد الفريد ٤/ ٩١.
(٢) الخبر بنحوه في "تاريخ دمشق" ١٤/ ١٥٨ (مخطوط)، و"المنتظم" ٦/ ٢٧٦ - ٢٧٧. وليس فيهما ذكر اللحن، ورُوي نحوه بين الشعبي والحجاج، ينظر وفيات الأعيان ٣/ ١٥.
(٣) من قوله: قال ابن أبي الدنيا … إلى هنا من (ص). والخبر في "الاعتبار" (٥٥) لابن أبي الدنيا عن الحسن بن عثمان سمعت أبا العباس الوليد يقول: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: كان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية خلًا لعبد الملك … ولم أقف على الخبر بإسناد المصنف.