للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزُّبير، ومرة مع ابن الأشعث، والله لأَسْتَأْصِلَنَّك كما تُستأصل الصَّمغَة، ولأُجَرِّدَنَّك كما يُجَرَّد الضَّب (١)، فقال له أنس: مَن يعني الأمير أصلحه الله؟ فقال: إياك أعني أصمَّ الله سمعك، فاسترجع أنس، وشُغل عنه الحجاج، فخرج أنس فتبعتُه وقلت: ما منعك أن تُجيبه؟ فقال: والله لولا أني ذكرتُ كَثْرةَ وَلَدي، وخشيت عليهم؛ لأسمعتُه في مقامي هذا ما لا يُستحسن لأحد بعدي (٢).

ثم قال ابن سعد: قال محمَّد بن عمر: وقد فعل الحجاج ذلك بغير واحد من الصَّحَابَة يريد أن يُذلَّهم بذلك، وقد مضت لهم العِزَّة بصحبة رسول الله .

وقد ختم الحجاج أنسًا في عُنقه.

وقال ابن سعد [بإسناده] عن أَبان بن أبي عيَّاش قال: لما بنى الحجاج واسطًا، وفرغ من ابن الأشعث، دعا أنسًا وبين يديه خيلٌ تُعرض عليه فقال: أيها الشيخ، هل رأيتَ مع محمَّد مثل هذه الخيل؟ فقال: وما هذه الخيل؟! رأيتُ مع رسول الله خيلًا غُدُوُّها ورَواحُها في سبيل الله، إنما الخيل ثلاثة: فما كان منها في سبيل الله ففيه من الأجر كذا وكذا، حتَّى أَرْواثُها في موازين أهلها، وما كان للفَحْلَة فهي في سبيل الله، وشَرُّها وأخبثُها ما كان للفخر والرياء (٣)، فقال الحجاج: لقد عِبتَ فما تركْتَ شيئًا، ولولا خِدمتُك لرسول الله ، وكتابُ أمير المُؤْمنين فيك؛ لكان لي ولك شأن من شأن -وقد ذكرنا حديث الخيل فيما تقدم- فقال أنس: هيهات -أو أيهات- إنِّي لما خدمتُ رسول الله علَّمني كلمات لا يَضرُّني معهنَّ عُتُوُّ جَبّار-وذكر ابن سعد كلامًا آخر- فقال له الحجاج: يَا عمّاه، لو عَلَّمْتَنيهِنّ، فقال: لستَ لذلك بأهل، فدس إليه الحجاج ابنَه محمدًا ومعه مئتا أَلْف درهم، ومات الحجاج قبل أن يظفر بالكلمات.


(١) في (ص): الضرب، وسيشرحها المصنف في نهاية الخبر كما وردت في (ص)، والمثبت من النسخ وهو موافق لما في "طبقات ابن سعد" والمصادر.
(٢) في "طبقات ابن سعد" ٥/ ٣٤٠: لكلمته بكلام في مقامي لا يستحييني بعده أبدًا، وفي نسخة منه أشار إليها محققه: ما لا يستخشن لأحد بعدي.
(٣) في (ص): والخيلاء.