للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرادني حَلالًا خطبني من أهلي وإخوتي، وأما الحرام فلا أفعله، وكان لها أربعة إخوة، فأبى عليها، وراسلها مرارًا وهي تأبى عليه، فبعث إليها وقال: أنا آتيكِ الليلة، فأخبرتْ أمَّها بذلك، وأخبرت أمها إخوتها، فأنكروا ذلك أشد الإنكار، فقالت: إنه الليلة يأتي، فرصدوه، فجاء على دابَّته مُتنكِّرًا، فنزل عنها وقال للخادم: إذا كان وقتُ الغَلَس فأتني بها، ودخل وهي مستلقية على سريرها، وإخوتها في بيت بإزاء السرير، فاستلقى إلى جنبها، ووضع يده عليها وقال: إلى كم ذا المَطْل؟ فقالت له: كُفَّ يدك يا فاسق، وخرج إخوتُها فضربوه بالسيوف حتى بَرَد، ولفُّوه في نِطع، ورموه في بعض السِّكَك.

وجاء الخادم بالدابة وقتَ الغَلَس، فدقَّ الباب دقًا خفيًّا فلم يكلّمه أحد، فخاف طلوعَ الفجر، فذهب بالدابة، وأصبح الناس فوجدوه مقتولًا، وأُخبر الحجاج ففَطِن وقال: عليَّ بمَن كان خصيصًا به، فجيء به، فقال له: والله لئن لم تَصدُقْني لأضربنَّ عُنقَك، فحدَّثه الحديث، فأرسل فأحضر المرأة وإخوتها، وسألهم فاعترفوا، فأمر برقيقه وماله ودوابّه فدُفع إلى المرأة وقال: خذيه، بارك الله لك فيه، وكثَّر في النساء أمثالك، ثم قال: مثل هذا لا يُدفن، فتركوه حتى أكلته الكلاب (١) [وهذه أكبر مناقب الحجاج].

وقال عمر بن شبَّة: مرض الوليد بن عبد الملك مرضًا أشرف على الموت، فغُشي عليه فقالوا: مات، وخرجت البُرُد إلى البلاد بموته، وقدم بريد على الحجاج بذلك، فاسترجع، ثم شدَّ نفسَه بحبلٍ إلى أسطوانة وقال: اللهم لا تسلِّط علينا مَن لا رحمةَ له، فقد طالما سألتُك أن تجعل مَنيَّتي قبل مَنيتِه، وجعل يتضرَّع ويقول ويدعو، فبينما هو على ذلك إذ قدم البريد بعلىية الوليد، قال: فأعتق كلّ عبدٍ، وكلَّ أمةٍ.

ولما أفاق الوليد قال: ما أحدٌ أسرَّ بعافيتي من الحجاج، فقال له عمر بن عبد العزيز: كأني بكتاب الحجاج قد جاء يقول: إنه لما بلغه عافيتُك أعتق كل مملوك له، وأخرج من الأموال كذا وكذا، وبعث بقواريرَ من طيبِ الهند، قال: فما لبث أن وصل كتابُه بذلك.


(١) "مصارع العشاق" ١/ ٣٠٧.