للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الحجاج قد ثَقُل على الوليد، حكى خادم الوليد قال: كنتُ أصبُّ الماء على الوليد ليلةً، وهو ساهٍ والماء يسيل، ولا أقدر أن أكلّمه، فرفع رأسه إليّ وقال: ويحك، تدري ما الخبر؟ قلت: لا، قال: مات الحجاج، فاسترجعتُ، فقال: اسكت ما يسرُّ مولاك أن في يده تفاحةً يَشمّها (١).

ورُوي عن الوليد خلافُ هذا؛ فإنه لما مات الحجاج قال عمر بن عبد العزيز: الحمد لله الذي لم يقطع مدَّتي حتى أراني موت الحجاج، فقال له الوليد: يا أبا حفص، وهل كان الحجاج إلا منا أهل البيت، فقال له عمر: صدقت.

وقال الهيثم: لما مات الحجاج حزن عليه الوليد بن عبد الملك حُزنًا شديدًا، وقال: كان أبي يقول: الحجاج جلدةُ ما بين عيني وأنفي، وأنا أقول: هو وجهي كلّه. فألحقه الله به عن قريب.

ذكر وفاته:

[حكى القاضي التَّنوخيّ عن] مُلازم بن حُرَيث (٢) الحنفي قال: كنتُ في حبس الحجاج بسبب الحَروريّة، فحُبس معنا رجل، فأقام حينًا لا يتكلّم، حتى كان اليوم الذي مات فيه الحجاج في عشيَّته، إذ أقبل غُراب، فوقع على حائط السجن، فنَعق نَعقَةً، فتكلّم الرجل وقال: مَن يقدر على ما تقدر عليه يا غراب، ثم نعق ثانية، فقال: مثلُك مَن بشّر بخير، ثم نعق ثالثة فقال: يا غراب، من فيك إلى السماء.

قال: فقلنا له: ما رأيناك تكلَّمتَ منذ حُبستَ إلى الساعة، فما هذا؟! فقال: إني زَجَرتُ الطَّير، أما في أول مرة فإنه نعق وقال: إني وقفتُ على سترة الحجاج، فقلت: ومَن يقدر على ما تقدر عليه يا غراب، ثم نعق الثانية فقال: إن الحجاج مريض، ثم نعق الثالثة وقال: الليلة يموت الحجاج.


(١) "تاريخ الطبري" ٦/ ٤٩٧.
(٢) كذا في النسخ، وفي "الفرج بعد الشدة" ٢/ ١٦٠: ملازم بن قريب، وفي نسخة (غ) منه: حريب. وما بين معكوفين من (ص).