ثم قال الرجل: إن طلع الفجر قبل أن أخرج فليس عليَّ بأس، وإن دُعيتُ قبل الصبح فستُضرب عُنقي، ثم تلبثون ثلاثًا بعدي لا يدخل عليكم أحد، ثم يُدعى بكم في اليوم الرابع، فمن وجد له كفيلًا خُلِّي سبيلُه، ومن لم يوجد له كفيل فويله طويل، فلما كان قبل الصبح دُعي الرجل فقُتل، وسمعنا الصُّراخ على الحجاج، ومكثنا ثلاثًا لا يدخل علينا أحد، ثم دُعي بنا، فطُلب منا الكُفَلاء فأُطلقنا.
[وقال الواقدي:] مات الحجاج لخمس بقين من رمضان سنة خمس وتسعين بواسط، وكانوا يسمون ذلك اليوم: عُرْسَ أهل العراق.
وقيل: مات في شوال، وروى ابن أبي الدنيا عن أشياخه قالوا: لم يُعلم بموته حتى أشرفت جارية من قصره وهي تبكي وتقول: ألا إن مُطعِمَ الطعام، ومُفَلِّق الهام، وسيّد أهل الشام قد مات، ثم قالت:[من البسيط]
اليومَ يرحَمُنا مَن كان يَغبِطُنا … واليومَ يأمنُنا مَن كان يَخشانا
[وذكر الزمخشري في "ربيع الأبوار" أنه] لما احتُضر وأَيِس من نفسه تمثَّل بقول عُقبة بن زيد العَنبري: [من البسيط]
يا ربِّ قد حلف الأعداءُ واجتهدوا … أيمانهم أنني من ساكني النّارِ
أيحلفون على عَمياءَ وَيحَهمُ … ما ظَنُّهم بعظيمِ العفو غَفَّارِ
[قال الزمخشري:] فيقال إن الحسن لما بلغه ذلك قال: إن نجا فبهما.
[وأما الهيثم فإنه روى] أن الحسن قال: هيهات! ذلَّ اللُّكَع، ثم قرأ ﴿وَقَدْ عَصَيتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٩١].
وقال ابن سيرين (١): لم دفنوه سمعوا جرَّ السَّلاسل في قبره، وسمعوا صُراخَه بُكرةً وعشيًّا وفي وسط الليل، فأجْرَوا على قبره الماء، وعَفَّوا آثاره، وأقاموا الحرسَ عليه خوفًا أن يُنْبَش.
وقال أبو اليقظان: لما سمعوا جرّ السلاسل في قبره قال ابنه عبد الله: قاتل الله أبي، هذا بتقصيره في حقِّ الخلائق أصابه ما تسمعون.