أن أبقي لك ذكرًا في الغابرين، فيتحدّث الركبان بأنك دفعتَ في لوحٍ من رصاص مثله ذهبًا، ويُخلَّد ذلك في السِّيَر، وقد جعلته لله تعالى، فأعجب الوليد حالها وقال: اكتبوا اسمها على لوحها فكتبوه، وفي رواية: فكتبوا على اللوح: لله، طبعوه بطابع، ولم يُدخِله الوليد في عمله، وقيل: كانت المرأة يهودية، فكتبوا عليه: هذا لوح الإسرائيلية، فكان يقرأ ما عليه إلى زمان حريق الجامع (١).
وقال الوليد بن مسلم: لما وضعوا أساس الجامع نزلوا في الأرض قامات، فظهرت ألواح مكتوب عليها بأقلام لم يقدر أحد أن يَحلَّها.
وقال إبراهيم بن هشام: لما تكامل بناءُ قبَّة الجامع وقعت، فشق على الوليد فجاءه صانع فقال: أنا أبنيها بناءً مُحكَمًا لا يتغير، فحفر موضع الأركان حتى بلغ الماء، ووضع الأساس، فلما ارتفع البناء واستقلّت القبة على وجه الأرض؛ غطاها بحُصُر وهرب، فطُلِب فلم يوجد، وغاب سنة، ثم ظهر فلم يشعر الوليد إلا وهو على بابه، فأدخل عليه فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قم معي حتى ترى العجب، فقام معه فكشف الحصر، فإذا البنيان قد صار مع وجه الأرض، فقال: من ها هنا كان يؤتى البنيان، ثم رفع البناء فتمّ على ما هو عليه اليوم لم يتغير.
قال الوليد بن مسلم: وكان فيه ست مئة سلسلة من ذهب فكان لا يستطيع أحد أن يصلي فيه من شعاعها، وعلى أبوابه صفائح الذهب.
[وقال أبو مُسْهِر:] لما انتهى الجامع خطب الوليد فقال: أيها الناس، إنكم تفتخرون على البلاد بحُسن بلدكم، وكثرة خيره، وفواكهه ومياهه، فافخروا على أهل الدنيا بجامعكم.
[وقال أبو مروان عبد الرحيم:] كان على باب الساعات كهيئة البيكار، عليه عصافير من نحاس، وحية من نحاس، وغراب، فإذا انقضت ساعة خرجت الحية فصفرت، فصاحت العصافير، ونعق الغراب، وسقطت حصاة في الطست، وكان في سقوف