للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المدائني: جلس الوليد يوم جمعة على المنبر حتى اصفرَّت الشمس، فقام إليه رجل فقال: إن الوقت لا يَنتظرك، وإن الربّ لا يَعذرك، فقال: صدقت، ومَن قام فقال مثل مقالتك لا ينبغي أن يقوم، مَن ها هنا من الحرس يقوم فيضرب عنقه (١)؟

وقيل له وقد فرَّ من الطاعون: إن الله يقول: ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَو الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ١٦]، فقال: وذاك القليل يُطلب (٢).

ودخل بعض الخوارج على الوليد، فسبّه وسبَّ أباه وأهله، وكان عمر بن عبد العزيز عنده، فقال الوليد لعمر: ما ترى؟ فقال: أظنه مغلوبًا على عقله، والعفو أقرب للتقوى، فقال الوليد لعمر: أنت حَرُورِيّ، فقال عمر للوليد: أمجنون أنت؟ وكان خالد بن أبان (٣) صاحب شرطة الوليد واقفًا على رأسه، فاخترط السيف ظنًّا منه أن الوليد يأمره بقتل عمر، وقام الوليد مغضبًا فدخل على أم البنين أخت عمر، فشكاه إليها وقال: إن أخاكِ لحروري أحمق، فقالت: يا وليد، أنت والله أهل لما قلت ووالله ما أسقط عمر سقطة منذ كان غلامًا، ثم قال عمر لخالد: ويلك لو أمرك بقتلي أكنت قاتلي؟ قال: إي والله، فقال عمر: أي أحمق، ما أجرأك على الله في طاعة مخلوق، ثم إن أم البَنين نفت خالدًا إلى بلد آخر.

ذكر وفاة الوليد بن عبد الملك بن مروان (٤):

اتفقوا على أنه توفي يوم السبت منتصف جمادى الآخرة سنة ست وتسعين، وإنما اختلفوا في مدّة ولايته؛ فقال الزهري: ولي عشر سنين إلا شهرًا، وقال أبو مَعْشر: تسع سنين وسبعة أشهر، وقال الواقدي: تسع سنين وثمانية أشهر، وقال هشام بن محمد: ثمان سنين وستة أشهر.


(١) "العقد الفريد" ١/ ٥٣.
(٢) "البيان والتبيين" ٢/ ٢٠٣.
(٣) كذا، وصوابه: ابن الريان، كما في "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٨.
(٤) هذه الفقرة وردت في (خ، ب، د) مختصرة حتى شعر جرير، فأثبت نص (ص) وسياقه.