قال وجاء: ودخلت على سليمان وهو يموت، فجعلتُ إذا أخذتْه سكرة من سكَرات الموت حَرَفْتُه إلى القبلة فيقول: يا رجاء، لم يأنِ لذلك بعد، فعلتُ ذلك مرتين أو ثلاثًا، فلما كان في الثالثة قال: من الآن يا رجاء إن كنتَ تُريد شيئًا، وذكر الشهادتين، فحَرَفْتُه فمات، فأعْمَضْتُه وسَجَّيتُه بقَطيفَةٍ خضراء، وأغلقتُ الباب، وأرسلتْ إليّ زوجتُه تسأل كيف أصبح، فقلت: قد نام وتغطَّى، ونظر إليه رسولُها مُغطَّى بالقَطيفة، فرجع فأخبرها، فقَبِلَتْ وطنَّت أنه نائم.
قال رجاء: وأجلستُ على الباب مَن أثق به، وأوصيتُه أن لا يَريم حتى آتيه، ولا يُدخِل على سليمان أحدًا، وأرسلتُ إلى كعب بن رجاء (١) العَنْسِيّ، فجمع أهل بيت أمير المؤمنين في مسجد دابِق، فقلت: بايعوا، فقالوا: بايعْنا مرَّةً أنبايع أخرى؟ قلت: نعم، فبايعوا، فلما أَحكمتُ الأمر قلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، فاسترجعوا، وقرأت عليهم الكتاب، فلما وصلتُ إلى ذكر عمر قال هشام: لا نبايعه أبدًا، قال رجاء: فقلت له: أَضرب والله عُنُقَك، قم فبايع، فقام وهو يجرُّ رجلَيه.
قال رجاء: وأخذتُ بضَبْعَي عمر، فأجلستُه على المنبر وهو يَسترجع لما وقع فيه، وهشام يسترجع لما أخطأه، فلما انتهى هشام إلى عمر قال له: إنا لله وإنا إليه راجعون، أي: حين صار هذا الأمر إليك على ولد عبد الملك، فقال عمر: نعم فإنا لله وإنا إليه راجعون حين صار إلي لكراهتي له.
قال رجاء: وغُسِّل سليمان وكُفّن، وصَلّى عليه عمر، فلما فرغ من دفنه أُتي بمواكب الخلافة: البراذين والخيل والبغال، ولكلّ دابّة سائس فقال: ما هذا؟ قالوا: مراكب الخلافة، قال عمر: دابّتي أوفقُ لي، فركب بغلتَه وصرف تلك الدواب، ثم أقبل فقيل: تنزل منزل الخلافة، فقال: فيه عيالُ أبي أيوب، وفي فُسطاطي كفاية إلى أن يتحولوا، وأقام في منزله حتى فرغوه بعد ذلك. قال رجاء: فلما كان مساء ذلك اليوم قال: يا رجاء، ادعُ لي كاتبًا - وقد رأيتُ منه كلّما سَرَّني- فدعوته له، فأملى عليه كتابًا بليغًا وَجيزًا بغير نسخة، ثم أمر بذلك الكتاب فنُسخ إلى كل بلد.
(١) كذا، وقد سلف أنه كعب بن حامز، انظر "طبقات ابن سعد" ٧/ ٣٣١، و"تاريخ الطبري" ٦/ ٥٥٢، و"تاريخ دمشق" ٥٤/ ١٣٣ - ١٣٤.