للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الهيثم: لما وفد الزهري ومكحول الشامي على سليمان بن عبد الملك استشارهما في توليته عمر لما مات أيوب، فصوَّبا رأيَه، فكتب عهده بمحضر منهما وأشهدهما عليه، ومات سليمان، فلما قرئ الكتاب قام مكحول فقال: أين أمير المؤمنين عمر، وكان في أخريات الناس في المسجد، فلم يقم، فمشى إليه، وأخذ بيده، وأقعده على المنبر وهو يقول: والله ما أردتُ هذا، فلما دُفن سليمان قُرِّبت إليه مراكب الملك فقال: بغلتي -وكانت شهباء- فقُرِّبت إليه.

وكان يرجى لسليمان بتوليته عمر بن عبد العزيز وتركه ولده.

وقال بشر: لما ولي عمر بن عبد العزيز خطب الناس، وفُرش له، فنزل وترك الفرش ناحية، فقيل له: لو تحوّلتَ إلى حُجْرة سليمان فتمثّل: [من الطويل]

فلولا التُّقى ثم النُّهى خشيةَ الرَّدى … لعاصيتُ في حبِّ الصِّبا كل زاجرِ

قضى ما قضى فيما مَضى ثم لا تَرى … له صَبْوَةً أُخرى الليالي الغَوابرِ

وقال أبو الحكم سيّار: كان أول ما أُنكر من عمر أنه لما دفن سليمان أُتي بدابة سليمان التي كان يركبها، فلم يركبها، وركب دابّته التي جاء عليها، فدخل القصر وقد مُهدت له الفُرش التي كانت لسليمان، فلم يجلس عليها، ثم خرج إلى المسجد، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد، فإنه ليس بعد نبيكم نبيٌّ، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحلّ الله حلال إلى يوم القيامة، وما حرَّم حرام إلى يوم القيامة، ألا إني لست بقاضٍ ولكني منفذ، ألا إني لست بمبتدع ولكني رجل منكم، غير أن الله قد جعلني أثقلَكم حِملًا (١).

وقال عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: لما دَفن عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك وخرج من قبره سمع للأرض هَدّة فقال: ما هذه؟ قيل: مراكب الخلافة، فقال: ما لي ولها؟! نَحّوها عني، قرِّبوا إليّ بغلتي، فركبها، فجاء صاحب الشرطة يمشي بين يديه بالحَربة، فقال: تنحَّ عني، ما لي ولك؟! إنما أنا رجل من المسلمين.


(١) "طبقات ابن سعد" ٧/ ٣٣٤.