للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرسل عبدُ الملك بنُ المهلَّب يقول لعدي: خُذ ابني حُميدًا، فاحبسه عِوَضي ودَعْني أخرجْ فأرُدَّ يزيدَ عن البصرة حتَّى يأتيَ فارس، ويطلبَ له أمانًا، ولا أدعُه يقربُك. فلم يُجبه عديّ.

وكان محمد بنُ المهلَّب بالبصرة لم يُحبس، فجمع مواليَه وفتيةً من أهل بيته وأناسًا، وخرج حتَّى استقبل أخاه يزيد في كتيبة، وبعث إليه عديّ القبائلَ وقد رتَّبهم على كلِّ قبيلة رجلًا، فعلى الأزد المغيرة بن زياد العَتَكيّ، وعليّ بني تميم مُحرز بن حُمْران السَّعديّ، وعلى بَكْر بنِ وائل عمران بن عامر بن مسمع، ومالكُ بنُ المنذر بن الجارود على عبدِ القيس، وعبدُ الأعلى [بن عبد الله] بن عامر القرشيُّ على أهل العالية، وهم من أهل البصرة قريشٌ، وكِنانة، والأزد، وبجيلة، وخثعم، وقيل عَيلان كلُّها (١).

وكان عديّ قد قدَّم أوَّلًا على الخيل المغيرةَ بن عبد الله الثقفيّ، وأقبلَ يزيدُ بن المهلَّب لا يمرّ بخيلٍ ولا قبيلةٍ إلَّا تَنَحَّوْا له عن الطَّريق حتَّى يمضي، وجاء فنزل دارَه، وبعث إلى عديّ: ادْفعْ إليَّ إخوتي وأنا أخرجُ عن البصرة، وأقيمُ بمكان، وأبعث إلى يزيد بن عبد الملك، فآخُذُ منه أمانًا. فلم يُجبه عديّ. فبعث يزيد بن المهلَّب إلى يزيد بن عبد الملك مع حُميد بن عبد الملك بن المهلَّب يطلبُ الأمان فأمَّنَهُ، وبعث معه خالدَ بنَ عبد الله القسريّ، وعُمر بن يزيد الحَكَميّ.

وأقام يزيد بنُ المهلب يُعطي النَّاس الذهبَ والفضَّة، فمال النَّاسُ إليه، وكان عديّ لا يعطي إلَّا الدرهم والدرهمين، ويقول: لا يحلُّ لي أن أُعطيَكم من بيت المال درهمًا إلَّا بأمر أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك، ولكن تبلَّغوا بهذا حتَّى يأتيَ أمرُه. فقال الفرزدق:

أظنُّ رجال الدِّرهمَينِ يسوقُهُم … إلى الموت آجالٌ لهم ومضاجعُ (٢)

فأحزَمُهم مَنْ كانَ في قعر بيتِه … وأيقنَ أنَّ الأمرَ لا بدَّ واقعُ (٣)


(١) تاريخ الطبري ٦/ ٥٧٩ - ٥٠٨، وأنساب الأشراف ٧/ ٢٤٧. وما سلف بين حاصرتين منهما.
(٢) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٥٨١، و "ديوان" الفرزدق ١/ ٤٢١: ومَصَارعُ. وهما بمعنى.
(٣) في (ب) و (د): لا بد سائر إليه بدل: لا بدَّ واقع. وفي (خ): لا شك صائر إليه! والمثبت من المصدرين المذكورين.