للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي جاء بهم إلى القصر أنَّ بعضَ الدَّهاقين خطبَ امرأةً في القصر من باهلة، فأبَتْ أن تتزوَّجه، فجاء بالتُّرك، فحصروه. وكان عثمان بن عبد الله بسمرقند، وبين القصر وسمرقند مسافة، فخاف أهلُه أن يُبطئَ عليهم المدد، فصالحوا التُّرك على أربعين ألفًا، وأعطَوْهم الرهائن السبعة عشر رجلًا (١).

وندبَ عثمانُ النَّاسَ إلى الخروج إلى التُّرك، فانتدب المسيّب بن بشر الرّياحي في أربعة آلاف مقاتل من أعيان القبائل، وفيهم الأشراف ووجوه النَّاس.

فسار يومًا، ثم نزل وقال: إنكم تَقْدَمُون على فرسان التُّرك، فإن صبرتُم فلكم الجنة، وإنْ فررتُم فالنار، فمن أراد أن يقدَم فليقدَم. فانصرف عنه أَلْف وثلاث مئة، ثم سار فَرْسَخًا، فقال مثل مقالته، فانصرف عنه أَلْف، وسارَ فَرْسَخًا، وبقي في سبع مئة.

ولما قرب من القوم جاءه دِهْقان، فقال له: لم يبق من الدَّهاقين إلَّا من بايع التُّرك غيري، وأنا في ثلاث مئة مقاتل، ونحن معك، والتُّرك قد حصروا القصر وصالحوهم على أربعين ألفًا، وأعطَوْهُم سبعةَ عشرَ رجلًا رهائن، ولما بلغ التُّركَ وصولُكم قَتَلوا الرهائن، وميعادُهم أن يقاتلوهم غدًا، أو يفتحوا لهم القصر.

وكان في القصر عبدُ الملك بنُ دِثار الباهليّ، فقال المسيّب لرجلين: اذْهَبا وتَحَيَّلا في وصولكما إلى القصر، وأخْبِرا أهله بالغِياث.

فسارا ليلًا فوجدا التُّرك قد أجْرَوا الماء حول القصر، فلا يصلُ إليه أحد، وكانت ليلةً مظلمة، فنزلا عن فرسيهما وشَدَّاه في الشجر، وخاضا الماء إلى القصر، فصاح الدّيدَبان (٢)، فقالا: اسكت، ونادِ لنا عبدَ الملك بنَ دِثار. فناداه، فأخبرَاه بوصول المسيّب، وأنه على فَرْسخين منهم، فقال عبد الملك: إنَّا كنَّا قد عزمنا على تقديم نسائنا للموت، ثم نموتُ كلُّنا جميعًا.


(١) عبارة الطبري ٦/ ٦٠٨: "وأعْطَوْهُم سبعة عشر رجلًا رهينة". وهي أنسب، إذ لم يتقدَّم ذكر الرهائن.
(٢) يعني الحارس، أو الطليعة الذي يرقب العدوّ. ووقع في "تاريخ" الطبري ٦/ ٦٠٩ و"الكامل" ٥/ ٩٣: الربيئة. وهما بمعنى.