للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرجعا إلى المسيّب فأخْبَراه، فقال المسيّب للذين معه: إنِّي سائر إلى هذا العدوّ، فمن أحبَّ أن يذهبَ فليذهبْ. فلم يفارقه أحد، وبايعوه على الموت، وأجمع على بياتهم، وقد أطلقوا الماء حول القصر.

فلما كان في الليل قال لهم: اجعلوا شعاركم: يَا محمَّد، وكانوا سبع مئة، فلما كان وقتُ السَّحَر وقد دَنَوْا منهم؛ كرُّوا وحملُوا، وخالطوا التُّرك، فصبروا لهم، وانهزم المسلمون، وأصابَ تركيٌّ عَجُز دابَّة المسيّب، فترجَّلَ، وترجَّلَ أصحابُه، وقاتلوا قتالًا شديدًا، واستُشهد جماعة من المسلمين، وأنزلَ اللهُ نصرَه، فانهزمت الترك، فقال المسيّب: لا تتبعوهم، واقْصِدُوا القصر، ولا تحملوا إلَّا المال والحريم والضَّعْفَى. فحملُوا الجميع، فألحقوهم بسمَرْقَنْد، ونادى المسيّب: مَنْ حملَ امرأة أو صبيًّا أو ضعيفًا [حِسْبَةً] فأجرُه على الله، ومَنْ أبى فله أربعون درهمًا. فحملوا جميعَ مَنْ كان فيه، وتأخَّر (١) عن القصر.

وعاد التُّرك من الغد إلى القصر، فلم يجدوا فيه أحدًا، وشاهدوا حول القصر قتلاهم، فقالوا: هؤلاء الذين جاؤوكم لم يكونوا من الإنس (٢).

وكان التُّرك أربعين ألفًا.

وذكر الشعراء الوقعة، فقال ثابت قُطْنة (٣):

فَدَتْ نفسي فوارسَ من تميمٍ … غَدَاةَ الرَّوْع في ضَنْكِ المقامِ

بقصرِ الباهليّ وقد رأوني … أُحامي حيثُ ضنَّ به المحامي (٤)

بسيفي بَعْدَ حَطْمِ الرُّمْحِ قُدْمًا … أذُودُهُمُ بذي شُطَبٍ حُسامِ (٥)


(١) كذا. ولعل صواب اللفظة: وتأخَّروا. ويقارن السياق بما في "تاريخ" الطبري ٦/ ٦١٠. وما بين حاصرتين منه.
(٢) تاريخ الطبري ٦/ ٦١٠ - ٦١١، والكامل ٥/ ٩٣ - ٩٤.
(٣) هو ثابت بن كعب بن جابر العَتَكيّ الأَزدِيّ، أُصيبت عينُه بخُراسان، فجعل عليها قطنة، فعُرف بذلك، وهو يشتبه بثابت بن قطبة، بالباء الموحَّدة، وهو خُزاعي، وذاك عَتَكيّ. قاله ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" ٥/ ٨٩.
(٤) في (خ) (والكلام منها): وقد رآني أحامي حيث أضرب للمحامي. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٦/ ٦١١، و"الكامل" ٥/ ٩٤، وينظر أَيضًا "تاريخ" الطبري ٥/ ٥٤٩.
(٥) الحُسام: السيف. وشُطَب السيف: المخطوط تتراءى في متنه.