للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسلت وبحثت عن أمرها، فقيل: هي بإفريقية، فأرسلت رجلًا تثق به، وأعطته مالًا كثيرًا، فمضى إلى إفريقية، وبذل في ثمنها عشرة آلاف دينار (١)، واشتراها وحملها إلى دمشق، ففرحت بها، وألبستها أفخر الثياب والخليّ، وقالت لها: إنما اشتريتك ليزيد. فدَعَتْ لها.

ثم قالت سعدى ليزيد: أُحبُّ أن تمضي إلى بستاني بالغوطة تتنزِّه [فيه] قال: نعم. وأرسلت إلى لبستان، فهيّأت الأطعمة، وفرشت المقاصير، وجاء يزيد فأكل وشرب، فقالت له سعدى: قد اشتريتُ لك جاريةً تغنِّي أصوات حَبابة. فقال: وأين هي؟ فضربت بينهم ستارة وقالت: يا جارية، غنِّي. فغنَّت صوتًا كان يزيد يحبُّه وهو لكُثَيِّر عَزَّة:

وبين التراقي والفؤادِ حرارةٌ … مكان الشَّجَا لا تستقلُّ فتبردُ (٢)

فصاح يزيد: صوتُ حَبّابة وربِّ الكعبة، وقام قائمًا، فقالت له سعدى: هي حَبَابة، وقد بعثت إلى إفريقية، فاشتريتها بعشرة آلاف دينار. فحَظِيت سعدي عنده، وارتفعت منزلتها، وقامَتْ ومضت، وتركته مع حَبَابة في البستان.

فأقام ثلاثة أيام، فأخذ منه الشرابُ يومًا، فصَعِدَ إلى مستشرفٍ عالٍ وقال لها: غنِّي:

وبين التَّراقي والفؤادِ حرارةٌ

فغنَّتْ، فأهوى بنفسه وقال: أطيرُ. وأراد أن يُلقي نفسه، فتعلَّقت به وقالت: لنا فيك حاجة (٣)، على من تترك الأمَّة؟! قال: أنت لهم (٤).

وبلغ أبا حمزة الخارجيَّ، فقال: يطيرُ إلى لعنة الله.


(١) في "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٠٠، و "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٣: أربعة آلاف دينار.
(٢) كذا رواية "المنتظم" ٧/ ١١٠. وفي "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٣: بين التراقي واللهاة حرارة … ما تطمئنُّ وما تسوغ فتبردُ. وبنحوه في "أنساب الأشراف" ٧/ ١١١.
(٣) قوله: لنا فيك حاجة، ليس في (ص). وجاء فيها آخر الخبر ما لفظُه: "وفي رواية أنَّه لما قال: أريد أطير، قالت حَبَابة: لنا فيك حاجة" .. وهي في "أنساب الأشراف" ٧/ ٢٠١، و"تاريخ" الطبري ٧/ ٢٤.
(٤) ينظر إضافة الي المصدرين السابقين: الأغاني ١٥/ ١٤٠، والمنتظم ٧/ ١١٠، ومختصر تاريخ دمشق ٧/ ٣٠٠.