للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و [روى أبو نُعيم عن حُميد قال:] بينما هو في المسجد تنفَّس (١) نَفَسًا شديدًا، ثم بكى حتى أُرعدت منكباه، ثم قال: لو أنَّ بالقلوب حياةً (٢) لبكيتُم (٣) من ليلة تتمخَّض عن يوم القيامة (٤) ما سمع الخلائق بيوم قطّ أكثر (٥) من سورة بادية، ولا عينٍ باكية من ذلك اليوم.

وقال يونس [بن عبيد:] كان الحسن إذا أقبل كأنَّه أقبلَ من دفن حميم له، وإذا جلس كأنه أسير يُضرب عنقُه، وإذا ذُكرت النار كأنَّها لم تُخلق إلا له.

و [قال أبو بكر بن عيَّاش:] كان الحسن إذا شيَّع جنازة لم يره أحد في ذلك اليوم، ينفردُ في بيت صغير مظلم، ويبكي ويقول: أنتَ غدًا من أهل القبور.

[ذكر نبذة من كلامه ومواعظه]

و [حدثنا جدّي بإسناده] عن أبي عبيدة الناجي (٦) أنه سمع الحسن يقول: يا ابنَ آدم، إنك لا تُصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناسَ بعيب هو فيك، حتى تبدأ بصلاح ذلك العيب من نفسك فتُصلحَه، فإذا فعلتَ ذلك لم تُصلح عيبًا إلا وجدتَ عيبًا آخر لم تصلحه، فإذا فعلتَ ذلك كان شغلك في خاصَّة نفسك، وأحبُّ العباد إلى الله تعالى من كان كذلك (٧).

وقال الحسن: يا ابنَ آدم لا تحقرن من الخير شيئًا وإن صَغُر، فإنَّ عملَك يُوزن، فإذا رأيتَه سرَّك، ولا تحقرنَّ من الشَّرّ شيئًا، فإنك إذا رأيتَه غمَّك، فرحم الله رجلًا كسب طيّبًا، وأنفق طيبًا، ولزم قصدًا، وقدَّم فضلًا ليوم فقره وفاقته (٨).


(١) في "حلية الأولياء" ٣/ ١٤٣: بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد وهو يمصُّ ماءً ويمجُّه تنفَّس …
(٢) بعدها في المصدرين السابقين: لو أن بالقلوب صلاحًا.
(٣) في "الحلية": لأبكيتكم، وفي "صفة الصفوة" ٣/ ٢٣٤: لأبكتْكم.
(٤) في المصدرين السابقين: من ليلة صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخّص عن صبيحة يوم القيامة …
(٥) في (ص): بأكثر.
(٦) هو بكر بن الأسود، أحد الزُّهَّاد. وتحرف في (خ) و (ص) إلى الباجي. والمثبت من (ب). وينظر "ميزان الاعتدال" ١/ ٣١٩. والكلام السالف بين حاصرتين من (ص).
(٧) شعب الإيمان ٥/ ٣١٢، وصفة الصفوة ٣/ ٢٣٤.
(٨) حلية الأولياء ٢/ ١٤٣، وصفة الصفوة ٣/ ٢٣٥. ولم يرد هذا الخبر في (ص).