للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورمَوْه بالزَّندقة، وأنه مُباح الدم، وأنه تجرّأ على بيت الله الحرام، وشربَ فيه الخمر لما حجَّ، وعملَ القُبَّة ليضاهيَ بها الكعبة.

وكان أشدَّهم عليه يزيدُ بنُ الوليد بن عبد الملك، وكان الناس يسمعون منه لزهده ونُسُكِه وعبادته، وكان يقول: ما يسعُنا السكوتُ عن الفاسق وكفرِه وفجورِه، ويأمرُ الناس بجهادِه وسفكِ دمه (١).

فأجمع (٢) على قتل الوليد عامَّةُ جنده ورعيَّته، ومُعظمُهم من قُضاعةَ واليمانيَّة، فاجتمع الأشرافُ، وأُمراء القبائل: منصور بن جمهور، وحُرَيث، وشبيب بن أبي مالك، وغيرهم، واجتمعت اليمانية إلى يزيد بن الوليد [بن عبد الملك] وأرادوه على البيعة، فقال له عُمر (٣) بن يزيد الحَكَمي: شاوِرْ أخاك العبَّاس، فإنْ وافقك على البيعة لم يخالفك أحد، فإنه سيِّدُ بني مروان.

وكان العام قد أجدب، ونزل الطاعون بالبلاد، وخرج بنو أميَّة إلى البرِّيَّة، وكان العبَّاس [بن الوليد] نازلًا بالقَسْطَل (٤)، وأخوه يزيد قريبًا منه، فأتى يزيدُ أخاه العبَّاس، فشاورَه، فقال له العبَّاس: مهلًا يا يزيد، فإنَّ في نقض عهد الله فسادَ الدين والدنيا، فلا تفعل.

فعاد يزيد إلى منزله، ولم يسمع من أخيه، وجاء إليه الناس أرسالًا يُبايعونه سرًّا، فلما كثَّروا عليه أتى أخاه العبَّاس، فأخبره فقال: واللهِ لئن عُدْتَ إلى هذا لأشُدَّنَّك وَثاقًا، وأبعثُ بك إلى أمير المؤمنين. وكان مع يزيد قَطَن [مولاهم] (٥). فلما خرجا من عنده أرسل العباس إلى قَطَن فجاء فقال له: ويحك يا قَطَن! أترى يزيدَ جادًّا في قوله؟


(١) أنساب الأشراف ٧/ ٥١٥ و ٥١٧، وتاريخ الطبري ٧/ ٢٣٢.
(٢) في (ص): فاجتمع.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٣٧: عَمرو.
(٤) يطلق هذا الاسم على أكثر من موضع، المشهور منها اثنان: أحدهما قرب البلقاء من أرض دمشق في طريق المدينة، والثاني بين حمص ودمشق، ولعله المراد هنا، فقد قال ابن الأثير في "الكامل" ٥/ ٢٨٣: وكان العباس بالقسطل، ويزيد بالبادية أيضًا، بينهما أميال يسيرة.
(٥) في (د): قطن بن خليفة. ولم أقف على من نسبه كذلك. ولفظة "مولاهم" بين حاصرتين من المصدر السابق.