للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى عنه ابن باكويه أنَّه قال: مَثَلُ قُرَّاءِ زماننا كرجل نصبَ فَخًّا، وجعل فيه حبَّةَ بُرٍّ، فجاء عصفور، فوقف عليه وقال: ما غَيَّبَك في التراب؟ قال: التواضع. قال: فلأيِّ شيءٍ انحنَيتَ؟ قال: من طول العبادة. قال: فما هذه البُرَّة (١) المنصوبة فيك؟ قال: أعددتُها للصائمين. فلما كان وقتُ المغرب؛ دنا العصفور منها ليأخذَها، فخنَقَه الفَخُّ، فقال العصفور: إن كان كلُّ العُبَّاد مثلَك، فلا خير في العُبَّاد اليوم (٢).

وروى عن جعفر بن سليمان الضُّبَعِيّ قال: مرَّ والي البصرة بمالك وهو يتبختر في مشيته، فصاح به مالك: أقْلِلْ من مِشْيَتِك، فهذه مِشيَةٌ يُبغِضُها اللهُ ورسولُه. فهمَّ به أعوانُه، فقال: دعوه. ثم قال: يا مالك، ما أُراك تعرفُني. فقال مالك بن دينار: ومَنْ أَعْرَفُ بك منِّي؟ أمَّا أوَّلُك فنُطفةٌ مَذِرَة، وأمَّا آخِرُك فجيفةٌ قَذِرة، وأنت فيما بين ذلك تحملُ العَذِرَة. فنكس الوالي رأسه ومضى (٣).

وقال مالك: إن البَدَنَ إذا سَقِمَ، لم ينجعْ فيه طعامٌ ولا شراب؛ فكذا القلبُ إذا عَلِقَه حبُّ الدنيا (٤).

وروى ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: كفى بالمرء إثمًا أن يكونَ أمينًا للخَوَنَة، وكفى بالمرء شرًّا أن لا يكون صالحًا ويقعَ في الصَّالحين (٥).

قال: وقال مالك بن دينار: إذا لم تكن صادقًا فلا تَتَعَنَّى (٦).

قال: وقال مالك بن دينار: يقول الله في بعض الكتب: إنَّ أهْونَ ما أنا صانع بالعَالِمِ إذا أَحَبَّ الدُّنيا أنْ أُخرِجَ حلاوةَ ذِكْرِي من قلبه (٧).


(١) يعني حبَّة البُرّ (القمح).
(٢) صفة الصفوة ٣/ ٢٧٦.
(٣) بنحوه في "حلية الأولياء" ٢/ ٣٨٥، و"تاريخ دمشق" ٦٦/ ٨٣، و"صفة الصفوة" ٣/ ٢٧٦ - ٢٧٧.
(٤) الزهد (١٤٢)، وحلية الأولياء ٢/ ٣٦٣، وتاريخ دمشق ٦٦/ ٨٥. ولم يرد هذا الخبر في (ص).
(٥) بنحوه في "حلية الأولياء" ٢/ ٣٧٣، و"تاريخ دمشق" ٦٦/ ٩١، و"صفة الصفوة" ٣/ ٢٨٢.
(٦) صفة الصفوة ٣/ ٢٨٣. والتَّعنِّي: النَّصَب.
(٧) حلية الأولياء ٢/ ٣٦٠، وصفة الصفوة ٣/ ٢٨٠.