للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الملك بن مروان، فحصَرُوا دمشق أقلَّ من شهرين، وقاتلُوهم من الأبواب كلِّها وألقى اللهُ العصبيَّة بين اليمانيَّة والمُضَريَّة، فقتل بعضُهم بعضًا، ثم تسوَّرَ أهلُ الكوفة عليهم بُرجًا من أبراجها، فافتتحوها عَنْوَةً، وقُتل الوليد، وأمر عبدُ الله بقلع حجارة سور دمشق، فقُلعَتْ حجرًا حجرًا بعد أن أثخنَ في القتل، وأباحَها ثلاث ساعات (١).

وذكر ابنُ عساكر أيضًا (٢) أن أهل دمشق بعثوا قاضيَهم يحيى بنَ يحيى الغَسَّانيَّ ليأخذَ لهم أمانًا، فأجابَه عبدُ الله، وبلغَ الصوتُ أهلَ دمشق بالأمان، ونادى مناديه بذلك، فخرج من المدينة ناسٌ كثير وأصعدوا إليهم من المُسَوِّدة خلقًا كثيرًا، فقال يحيى لعبد الله: اكتُبْ لنا كتابَ أمان بالذي جعلتَ لنا. فأخذ عبد الله الدَّواة والقرطاس ليكتب، فحانَتْ منه التفاتةٌ، فرأى المُسَوِّدة قد غشيت حائط السُّور، فتوقَّف وقال: أما ترى قد فتحناها عَنْوةً؟ فقال: لا والله، بل غدرًا؛ لأنك أعطيتَهم الأمان، فخرجَ منها مَنْ خرج، وصَعِدَ إليها من صَعِد، فإن كان كما تقول؛ فارْدُدْ رجالك عنها، وارْدُدْ إلينا مَدِينتَنا. فقال له عبدُ الله: لولا ما أعرفُ من مودَّتك لنا أهلَ البيت لما استقبلتَني بهذا، فقال له يحيى: أنتَ واللهِ من بيت الرحمة والرأفة، وقرابتُك من رسول الله ما تزيدُك إلا رحمةً وتعظيمًا.

وكان على يحيى ثوبٌ أبيض، وجميعُ الناس عليهم السَّواد، فقال عبد الله: اذهبوا به إلى حُجرتي خوفًا عليه، وبعث بعَلَم إلى دار يحيى، فركزُوه عليها وقال: من دخلَ دارَ يحيى فهو آمِن. فسلمت دارُه وما وَالاها.

ذكر نبشه قبور بني أمية:

قال محمدُ بنُ سليمان النَّوْفَليُّ (٣): كنتُ مع عبد الله بن عليّ لما نَبَشَ القبور، فأوَّلُ ما نبش [قبرُ] معاوية بن أبي سفيان، فلم يجد فيه إلا خطًّا أسود مثل الهَبَاء، ووُجد في قبر عبد الملك جمجمة (٤)، وكان يوجد في القبر العضو بعد العضو إلا هشامَ بنَ عبد الملك،


(١) المصدر السابق، وما سلف بين حاصرتين منه.
(٢) في "تاريخ دمشق" ١٨/ ٢١٦ (مصورة دار البشير- ترجمة يحيى بن يحيى الغساني).
(٣) الخبر في ترجمته في "تاريخ دمشق" ٦٢/ ١٨٨ - ١٨٩ (طبعة مجمع دمشق).
(٤) في المصدر السابق: جمجمتُه.