للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان من أبسط الناس على الطعام، فكان من أراد [أن] يسألَه حاجةً سأله وهو على الطعام، وكان إبراهيم بن مخرمة الكندي لا يسألُه إلا وهو على المائدة، فقال له يومًا: [يا] إبراهيم، ما دعاك إلى أن تشغلني عن الطعام بحوائج الناس؟ فقال: التماس النجاح لمن أسألُ له، فقال له السفَّاح: لله درُّكَ، إنك لخليق بالسُّؤْدُد بحسن فطنتك.

وكان السفاح أحلَمَ الناس، وأعقَلَهم، وأسخاهم، مدَحَه [وأهلَه] (١) أبو عطاء السِّنديُّ فلم يُعطه شيئًا، فهجاهم، وقال: [من الطويل]

بني هاشمٍ عودوا إلى نَخَلاتكم … فقد عاد بيعُ التمر صاعًا بدرهمِ

فإن قلتُمُ رهطُ النبيّ محمد … فإنَّ النصارى رهطُ عيسى ابن مريمِ (٢)

وبلغ السفاحَ فلم يقل شيئًا، فقيل له: عاقبه، فقال: لا أجمعُ له بين العقوبة والمنع.

وكتب إليه رجلٌ سِعاية، فكتب عليها: تقرَّبتَ إلينا بما يُبعدكَ عنَا.

ومر يومًا ومعه عيسى بنُ موسى على فَعَلةٍ، فقال: إن السعيد مَنْ سلم من الدنيا، ولوددتُ أني لم أتقلَّد منها شيئًا، ولهؤلاء أحسنُ حالًا منَّا، وأخفُّ ظهرًا، فقال له عيسى: لقد أحسن الله إليك إذ أنقذَ بك الأمةَ من جَوْر بني أُميَّة.

وكان السفّاح يقول: لأستعملنَّ اللينَ حتى لا تنفع إلا الشدَّة، ولأُغمدنَّ سيفي إلا أن يسلَّه الحقّ، ولأُعطينَّ حتى لا أرى للعطاء موضعًا.

وخرج يومًا متنزِّهًا بظاهر الأنبار، فأمعَنَ في البرية، فشذَّ عن أصحابه، فوافى خِباءً لأعرابي، فوقف وسلم عليه، فردَّ وقال: ممَّن الرجل؟ فقال: من كِنانة. قال: من أيِّ كِنانة؟ قال من أبغض كنانة إلى كنانة. قال: فأنتَ من قريش؟ قال: نعم. قال: فمن أيِّ قريش؟ قال: من أبغض قريش إلى قريش. قال: فإذًا أنتَ من ولد عبد المطَّلب؟ قال: نعم. قال: فمن أيّ ولد عبد المطَّلب؟ قال: من أبغض ولد عبد المطَّلب إلى ولد عبد المطَّلب. قال: فإذًا السلامُ عليك يا أميرَ المؤمنين ورحمةُ الله وبركاته، ووثَبَ قائمًا، فاستحسَنَ أبو العباس ذلك منه، وأمر له بجائزة سَنِيَّة.


(١) ما بين حاصرتين لم يرد في (خ)، وأثبتناه من (د).
(٢) البيتان، وما أشار إليه المصنف من مدح أبي عطاء للسفاح في أنساب الأشراف ٣/ ١٨٥.