للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأخَّرت وفاةُ أمِّ سلمة إلى أيام محمَّد المهديّ.

ودخل خالد بن صفوان على السفّاح، فخلا به، وقال: يا أمير المؤمنين، إني فكَّرتُ في سَعَة سلطانك ومالك، وإذا قد ملكتكَ امرأة [واحدةٌ] اقتصرتَ (١) عليها، فإن مرضَتْ مرضتَ، وإن عوفيَتْ عوفيتَ، وقد حرَّمتَ على نفسك الالتذاذَ بالجواري، إنَّ منهنَّ الطويلة الغيداء، والبضّة البيضاء، والرقيقة السمراء، والرشقة اللَّعساء، والمولَّدات من المكيات والمدنيات والعراقيات والشاميات، ذوات الألسن العذبة، والقدود المُهفهفة، والأصداغ المُزَرفنة، والعيون المكحّلة. ووصف النساء فأطال، فقال له أبو العباس: والله ما طرق سمعي أحسن من هذا القول، أعِدْه، فأعاده أحسن مما ابتدأه، ثم قام فخرج، وبقي السفاح مطرقا، [مغمومًا مفكِّرًا، فدخلت عليه أمُّ سلمة، فسألته عن حاله، فلم يُجبها، فألحَّت عليه، (٢)، فأخبرها، فقالت؟ وما قلت لابن الفاعلة؟ فقال: سبحان الله! ينصحُني وتشتمينه؟! فأمرت غلمانَها بضربه، فاختفى، ولحَّ أبو العباس في طلبه، فأحضروه، فدخل وجاءت أم سلمة فوقفت خلفَ السِّتر، فقال له: ياخالد، أعِد الكلامَ الذي قلتَ لي؛ فإني مشتاق إلى سماعه، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، أخبرتك أن العرب اشتقَّت اسمَ الضرَّة من الضرر، والثلاث كأثافي القِدْر [يغلي عليهن] والأربع شرٌّ [مجموع لصاحبه] ولم يكن أشراف العرب يقتنون سوى امرأة واحدة، وأخبرتُك أن أبكار الجواري رجالٌ لا خصى لهم، وقلتُ لك: إن بني مخزوم جرثومةُ قريش، وإن عندك سيدةُ نساء الدنيا، وأنَّى مثلها؟ فقال السفاح: برئت من قرابتي من رسول الله إن كنتُ سمعتُ منك هذا سوى الساعة! فقالت أم سلمة: صدقتَ يا عم، وضحكَت، فقال له أبو العباس: ويحك! ما هذا؟ قال: هذا الذي تسمعُ، أردت أن تُهلكني؟ فقام فخرج، فبعثت إليه أمُّ سلمة بعشرة آلاف درهم، وتَخْتَ ثياب، وبرذون (٣).

وأما محمَّد بن السفَّاح فولد بأرض البلقاء، وخرج مع أبيه إلى الكوفة، ولَّاه عمُّه


(١) في (خ): فتضرب، والمثبت من (د)، وما بين حاصرتين منها كذلك.
(٢) ما بين حاصرتين من (د).
(٣) مروج الذهب ٥/ ١١٢ - ١١٨، وتاريخ دمشق - تراجم النساء ص ٥٢٧ - ٥٢٨، وما بين حاصرتين منهما.