للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليشتَفي عدوّك (١)، فقال: وأيُّ عدو أعدى لي منك؟ ألستَ الذي بايعتنا على أن من خرج علينا قتلته؟ وأنت الخارجُ علينا، فقد حكمنا عليك [بحكمك] (٢) على نفسك، ثم صاح: اذبحوه، فذبحوه، ولفُّوه في كساء.

وكان أبو جعفر لمَّا استدعاه جاء إلى سرادق عيسى بن موسى فقال له: قم معي إليه فإنِّي أخافه، فقال له: قف حتى أجدِّد الوضوء، ولا تدخل عليه حتى أجيء معك، وأطال عيسى الوضوء، وطلبه أبو جعفر، فدخلَ عليه فقتله، ثم جاء عيسى بن موسى على الأثر، فقال: وأين أبو مسلم؟ فأشارَ إليه أبو جعفر وهو ملفوف في الكساء، فقال: قتلته؟! واسترجع وقال: قد علمتَ بلاءه فينا وفعله في دولتنا، أهلكت نفسَك وأهلكتَنا، ومن يثق إليك بعد هذا؟ فقال له أبو جعفر: [اسكت يابن الشاة (٣)، وهل كان لنا معه سلطان؟! خلع الله قلبك.

وقيل: قال عيسى: أحنثتني في أيماني، وأهلكتني، فقال: لك بكل شيءٍ ضعفه.

ودخل إسماعيل بن عليّ فقال: يا أمير المؤمنين، رأيتُ الليلة في منامي كأنَّك قتلتَ أبا مسلم، وكأنِّي وطئته برجلي، ولم يعلم بقتله، فقال له أبو جعفر] (٤): قم فصدق رؤياك، ها هو ملفوفٌ في الكساء، فقام فوطئه برجله، وأمر أبو جعفر بإخراج البدر ورأس أبي مسلم، فأُخرج إلى أصحابه، فأخذوا المال، ثم انصرفوا، وألقي جسدُه في دجلة، وأنشد أبو جعفر قول أبي عطاء السُّدي (٥): [من السريع]

زعمتَ أن الدَّينَ لا يُقْتضَى … فاستوفِ بالكيلِ أبا مجرمِ

سُقيتَ كأسًا كنتَ تَسقي بها … أمرَّ في الحلقِ من العلقمِ (٦)

وقال أبو دلامة: [من الطويل]


(١) كذا في (خ) و (د)، وفي المنتظم ٨/ ١٢، ومروج الذهب ٦/ ١٨٢: استبقني لعدوك.
(٢) ما بين حاصرتين من (د).
(٣) كانت أم عيسى توفيت وهو صغير أو مرضت، فأرضع لبن شاة. انظر أنساب الأشراف ٣/ ٢٣٥.
(٤) ما بين حاصرتين من (د).
(٥) كذا في (خ) و (ف). وفي أنساب الأشراف: السندي. وهو الصواب.
(٦) انظر الأبيات أيضًا في تاريخ الطبري ٧/ ٤٩١، ومروج الذهب ٦/ ١٨٤ - ١٨٥، والمنتظم ٨/ ١٣.