للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما يكره، واستبان له الأمر، فكتب إلى عبد الله: [من الوافر]

أريد حَياتَه ويُريد قَتلي (١)

قد علمتُ ما فعلتَ، وجاءت الأجوبة من خُراسان، وقد ثَبتَ عندي أنك تعرف مكان ابنَيك، فدُلَّني عليهما ولك عهدُ الله وميثاقُه أنني أُحسن جائزتَهما، وأضعهما حيث وَضَعَتْهما القرابة، واستدرِكْ الأمرَ قبل تفاقمه، فكتب إليه أنَّه ما يعرف مكانهما، وكتب في الكتاب: [من الوافر]

وكيف أُريد ذاك وأنت منِّي … بمنزلةِ البياضِ من السَّوادِ (٢)

وكيف أريد ذاك وأنت مني … وزَنْدُكَ حين يُقدَح من زِنادي

فقال أبو جعفر: والله لَيُقْتَلَنَّ محمَّد بأصل سَلْع، وليُقْتلنَّ إبراهيم على النهر العباب يعني الفرات، فكان كما قال.

وقال السِّنديّ مولى أبي جعفر: لما اشتبهت الأمور على أبي جعفر دعا عُقبة بن سَلْم الباهليّ، وبعث معه بمال وقال: إنما أدخلتُك بين لحمي وعظمي، فلا تُوطِئني عَشْوةً (٣)، اذهب إلى المدينة فجالس عبد الله بن حسن حتَّى يأنس بك، وقيل له: إن فلانًا وفلانًا من خراسان بعثوا إليك بمال وثياب وهدايا -وكان المال عشرة آلاف دينار- واحترِز.

فقدم المدينة، فلقي عبد الله وجلس إليه، فلما أَنِس به ذكر له ذلك، فأخذ منه المال والثياب، ثم تركه أيامًا وقال له: معي إلى ابنيك كتابان وأربعون أَلْف دينار، فإن دَلَلْتني عليهما سَلَّمتُ ذلك إليهما، ورجعتُ إلى خراسان بما يَشرح صدورَ أهلها وتَقبله عقولُهم، وإلا عُدت إليهما، فأدفع إليهما الكتابين والمال، ثم قال لعبد الله: مثلي لا ينصرف إلَّا عن فضل؛ ليكون القوم منّي على ثِقَة، قال: وما هو؟ قال: تخلع أَبا جعفر، وتبايع ابنك محمدًا، ومن بعده إبراهيم، قال: نعم، فخلع أَبا جعفر وبايع


(١) تمامه: عذيرك من خليلك من مراد. وهو لعمرو بن معدي كرب، انظر العقد الفريد ٥/ ٧٦.
(٢) كذا، وفي المصادر: بمنزلة النِّياط من الفؤاد، انظر أنساب الأشراف ٢/ ٤١٠، والعقد الفريد ٥/ ٧٦، والأغاني ٢١/ ١٢٠.
(٣) أوطأه عشوة: أركبه على غير هدى من الطريق.