للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لابنيه، وبايعهما أَيضًا عقبة بن سَلْم، وأخذ كتابه وكتاب ابنيه وخرج إلى مكة، فوافى أَبا جعفر، فأخبره بحقيقة الأمر.

فقدم أبو جعفر المدينة، وأحضر عبد الله، وسأله عن ابنيه فأنكرهما، فقال لعُقبة: تراءى له، فلما رآه أُسقط في يده، وتغيَّر لونُه وقال: أقِلْني وصلَتْك رَحِم، فقال: لا أقالني الله إن أقلتُك، ووالله لا بدَّ من ولديك، فقد ظهر السرّ، ولله علي أن لا أَضُرّهما، فسكت عبد الله، فأمر بحبسه وحبس أهله وأعيان بني حسن، وخاف أبو جعفر أن يحاربه أهل المدينة فلم يدخلها، ولم يختلف عليه منهم اثنان.

وقال أبو اليقظان: لما حج أبو جعفر كان محمَّد وإبراهيم مُسْتخفيين بمكة، وكان بعضُ قُوَّاد أبي جعفر من شيعتهما فقال: هل لكما أن أقتله؟ فقال محمَّد: لا والله حتَّى تدعوه، فانتقض أمرُهما.

وقال الواقديّ: إنما أمر أبو جعفر رياحًا بحبس آل أبي طالب في سنة أربع وأربعين -وقيل: في سنة ثلاث وأربعين- فأقاموا في الحُبوس ثلاث سنين، فجاء محمَّد بن عبد الله ليلًا إلى أمه هند مستخفيًا، فقال: يَا أُمَّاه، قد حَمَّلتُ أبي وأهلي وعمومتي ما لا طاقة لهم به، وقد عزمتُ على أن ألقى أَبا جعفر، وأضع يدي في يده؛ فعسى أن يخلي عنهم، فتنكَّرَت وحملتْ طعامًا إلى السجن، وتلطَّفتْ للسجَّان حتَّى دخلتْ عليهم، فأخبرت عبد الله بقول محمَّد فقال: قولي له: نحن فَرَجُنا بيد الله، والأمور مَقضيَّة، والصبر أولى، ومُريه فليَجِدّ في أمره ولا يَني، فخرجتْ من عندهم، وأبلغته ما قال.

ولما نزل أبو جعفر الرَّبذَة أمر رياح بن عثمان بإخراجهم إليه، فأخرجهم من المدينة، ولما صاروا بقصر نَفِيس (١) على ثلاثة أميال من المدينة؛ دعا بالقيود والأغلال والحدَّادين، وقيَّدهم وغلَّهم، وضيَّق عليهم القيود حتَّى أثَّرت في أرجلهم، ثم أتى بهم الرَّبَذَة على الجمال وليس تحتهم وطاء ولا فوقهم غِطاء، وقام أبو جعفر ينظر إليهم من وراء السِّتر، ولما مووا بدار جعفر بن محمَّد بكى وقال: والله لا حُفظت حُرمةُ رسول الله بعد اليوم، ثم حُملوا في المحاملِ عُراة، وخرج أبو جعفر في


(١) في (خ) و (ب): بلقيس، والمثبت من تاريخ الطبري ٧/ ٥٤٠.