مَحْمِل ومُعادِله الربيع، فصادفهم يومًا في المسير، والشمس قد قرعتهم وهم عِطاش، فناداه عبد الله: يَا أبا جعفر، هكذا فعلنا بكم يوم بدر؟ فلم يكلِّمه، وأخزاه وثَقَّل عليه، فلما قدم إلى الكوفة أنزلهم في سِرداب.
وقال الهيثم: دعا أبو جعفر بمحمد الدِّيباج في الرَّبَذَة فدخل عليه -وكان أحسن النَّاس صورة- فوقف بين يديه، فقال له: يَا دَيُّوث، فقال محمَّد: سبحان الله، والله لقد عرفتُني بغير ذلك، قال: فكيف زوَّجتَ ابنتك الفاسقَ إبراهيم؛ وقد حلفتَ لي أنك لا تَغُشّني ولا تمالئ عليّ؟! فأنت بين أن تكون دَيُّوثًا أو حانثًا. وايم الله، لقد هممتُ أن أرجُمها، فقال له محمَّد: والله ما مالأتُ عليك ولا غَشَشتُك، وأما أنت فقد رَميتَ هذه الجارية، وهي بنت رسول الله ﷺ، وإن الله قد أكرمها بولادته لها، فأمر به فشُقَّت ثيابُه، وضربه أربع مئة سوط (١)، فغُشي عليه وأبو جعفر يقول: الرأسَ الرأسَ، وبدت عورتُه، ووقع سَوط في عينه فسالت عينُه على خدّه، وأُخرج والسِّياط قد غيَّرتْ حاله وجَماله، ورُدَّ إلى أصحابه وهو يصيح: العطش العطش، فلم يتجاسر أحد أن يسقيه، فقال: يَا معاشر المسلمين أيموتُ أولادُ رسول الله ﷺ عَطَشًا.
وقال عمر بن شبة: كان أبو جعفر كافًّا عن محمَّد الدِّيباج حتَّى قال له رِياح المُرِّي: ما أخاف عليك إلَّا من محمَّد بن عبد الله بن عمرو؛ فإنَّه عظيم عند أهل الشَّام، وقد أمنتَ خراسان والعراق؛ لأن خراسان شيعتُك، والعراق شيعة علي، وأهل الشَّام شيعة عثمان، وهذا من ولده، فوقع ذلك في نفس أبي جعفر، ففعل به ما فعل.
وفي رواية: لما دخل الدِّيباج على أبي جعفر قال له: أين إبراهيم ومحمَّد؟ فقال: لا عهد لي بهما من عام أول، قال: أليس ابنتك تحت الفاسق إبراهيم، قال: بلى، قال: فهي زانية، فقال: مه، أتقول هذا لابنة عمِّك! فقال يَا ابن اللخناء، فقال: أيّ أُمَّهاتي تُلَخِّن، فشتمه، وذكر أمَّه، وفعل به ما فعل.
وابنة محمد رُقيَّة، وفيها يقول الشَّاعر وهو زوجها إبراهيم:[من الطويل]
خليليَّ من قيسٍ دعا النَّومَ واقعُدا … يَسرُّكما ألا أنام وتَرقُدا