للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال عيسى بن موسى لابنه موسى: قم مع عمِّك، فاجمع عليه ثيابه، فقام موسى من ورائه فجمعَ ثيابه وعيسى لا يعلم، ثم علم فقال: من هذا؟ قال: موسى بن عيسى (١)، [فقال]: بأبي أنت، والله إنكما لأحق بهذا الأمر، ولكن المرء مغرًى بما تعجَّل، قال موسى: فقلت في نفسي: قد أمكنني والله من مقاتله، وهو الذي يغري أبا جعفر بي وبأبي، والله لأقتلنَّه بما قال. ورجع موسى إلى أبيه عيسى فأخبره بما قال عيسى بن علي، وقال: إن هذا قد قتلني وإيَّاك، فدعني أخبر أبا جعفر بما قال ليقتله ويشفي صدورنا منه، فقال له أبوه: أفٍّ لك، ائتمنك عمُّك على مقالةٍ أراد أن يَسرَّك بها فجعلتَها سببًا لهلاكه؟ لا يسمعن هذا منك أحد.؟

وأعاد أبو جعفر كلامَه على عيسى بن موسى، فلم يجبه، فقال أبو جعفر: يا ربيع، اخنق موسى بحمائل سيفه، فقام فجعلَ يخنقُه خنقًا رويدًا، وموسى يصيح: الله الله فيَّ يا أمير المؤمنين، فوالله إني لبعيدٌ مما تظنُّ، والمنصورُ يقول: اشدد يا ربيع، والربيع يوهمه أنه يريد تلفه، وهو يرخي خناقه وموسى يصيح: الله الله فيّ.

فلمَّا رأى ذلك عيسى بن موسى قال لأبي جعفر: والله ما كنتُ لأظنُّ أنَّ الأمرَ يبلغُ بك هذا كلَّه، فوالله ما أرى أن يقتل عبدٌ من عبيدي بسبب هذا الأمر، فكيف بولدي! وقد علمتَ ما فعلتُ معك، أخذت لك البيعة وأنت غائب، وحفظتُ عليك الخزائن، وقتلت إبراهيم ومحمد ابني عبد الله، وفعلت وفعلت، وأمَّا إذا أبيتَ فإنِّي أشهدُك أنَّ نسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وما أملك في سبيل الله، وهذه يديَ بالبيعة لمحمد المهدي، واصرف أموالي ومماليكي فيمن شئت، فقال له أبو جعفر: إنَّك قد قضيت حاجتي كارهًا، ولي حاجته أحبُّ أن تقضيها طائعًا، فتسلِّي بها ما في نفسي من الحاجة الأولى، قال: وما هي؟ قال: تجعلُ الأمرَ من بعد المهدي لنفسك، فقال: ما كنتُ لأدخلَ فيها بعد إذ خرجتُ منها، فلم يدعه ومن حضر حتى قال: فأميرُ المؤمنين أعلم، ثم خرج عيسى من عند أبي جعفر.

وكان أبو (٢) جعفر لمَّا عزمَ على البيعة لابنه، وامتنع عيسى وعرف الجند فكان


(١) فوقها في (خ): كذا، وما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق. انظر تاريخ الطبري ٨/ ١٣.
(٢) هذه رواية أخرى فيما جرى بين المنصور وعيسى بن موسى. انظر تاريخ الطبري ٨/ ١٤.