للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ، فأقرئه منِّي السلام، واسأله أن يدخلَ إلينا، فقد أخذ بمجامع قلبي. فخرجَ إليه، فقام معه فدخل إليَّ، فسلَّمَ، فرددتُ عليه السلام، واستبشرتُ بدخوله، وأجلستُه إلى جانبي، وعرضتُ عليه الطعام، فأبى أن يأكل، فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراءِ النهر، فقلت: أين تُريد؟ قال: الحجّ إن شاء الله تعالى، قال: وكان ذلك في أول يومٍ من العشر، أو الثاني. فقلت: في هذا الوقت؟! فقال: يفعل الله ما يشاء، فقلت: فالصحبة. قال: إن أحببتَ ذلك.

فلمَّا كان الليل قال لي: قم، فلبستُ ما يصلحُ للسفر، فأخذ بيدي، وخرجنا من بلخ، فمررنا بقريةٍ لنا، فلقيني رجلٌ من الفلَّاحين، فأوصيتُه ببعض ما أحتاجُ إليه، فقدَّم إلينا خبزًا وبيضًا، وسألنا أن نأكل، فأكلنا، وجاء بماء فشربنا، وقال: بسم الله، قم، فأخذَ بيدي، وجعلنا نسير، وأنا أنظرُ إلى الأرض تجذبُ من تحتنا كأنَّها الموج، فمررنا بمدينة بعد مدينة، فجعل يقول: هذه مدينة كذا، هذه مدينةُ كذا، هذه الكوفة، ثم قال: الموعدُ هاهنا في مكانك هذا في هذا الوقت من الليل، حتَّى إذا كان الوقت من الليل، إذا به قد أقبل، فأخذَ بيدي وقال: بسم الله، وجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، هذه كذا، هذه المدينة، وأنا أنظرُ إلى الأرض تجذبُ من تحتنا كأنَّها الموج، فصرنا إلى قبرِ النبيِّ فزرناه، ثمَّ فارقني، وقال: الموعدُ في هذا الوقت من الليل في المصلَّى [حتى إذا كان الوقتُ خرجتُ، فإذا به في المصلَّى] (١)، فأخذ بيدي، وفعلَ كفعله الأول والثاني، حتَّى أتينا مكَّة، ففارقني، فقبضتُ عليه وقلت: الصحبة، فقال: إنِّي أريدُ الشام فقلت: وأنا معك، فقال: إذا انقضى الحجُّ فالموعدُ هنا عند زمزم، حتَّى إذا انقضى الحجُّ إذا به عند زمزم، فأخذ بيدي، فطُفنا بالبيت، ثمَّ خرجنا من مكَّة، ففعل كفعله الأوَّل والثاني والثالث، وإذا نحنُ ببيت المقدس، فقال: السلامُ عليك، أنا عازم على المقام هاهنا إنْ شاء الله تعالى، ثمَّ فارقني، وما رأيتُه بعد ذلك، ولا عرَّفني اسمه.

قال إبراهيم: ورجعتُ إلى بلدي أسيرُ سيرَ الضعفاء منزلًا بعد منزل، حتَّى رجعتُ


(١) ما بين حاصرتين من التوابين ص ١٧٨.