والثالث ذكرهُ ابن خميس في "المناقب" عن أحمد بن عبد الله صاحب إبراهيم بن أدهم قال: كان إبراهيم من أبناء ملوك خراسان، فبينما هو ذات يوم مشرف من قصره، إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكله في فناء قصره، ثم قام فشرب الماء بكفيه، ثمَّ نام، فوكَّل به إبراهيم غلامًا له وقال: إذا قامَ من نومه فأتني به، فلمَّا استيقظَ الرجل أخذه الموكَّل به، فأدخلَه على إبراهيم، فقال له: أكلت الرغيف وشبعت؟ قال: نعم، قال: وشربتَ من الماء فرويت؟ قال: نعم، فقلت في نفسي: وما أصنع بالدنيا والنفس تقنعُ بهذا؟ فخرجَ إبراهيمُ سائحًا إلى الله تعالى، فلقيَهُ رجلٌ يسيحُ، حسنُ الثياب والوجه، طيِّبُ الرائحة، فقال لإبراهيم: يا غلام من أين؟ قال: من الدنيا إلى الآخرة، فقال: أجائعٌ أنت؟ قال: نعم، فقام الرجلُ فصلَّى ركعتين، وإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء، قال: فقال لي: كل، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ربِي (١)، ثم قال لي الشيخ: اسمع واعقل، ولا تعجل، فإنَّ العجلةَ من الشيطان، ولا تحزن، وإياك والتمرُّد على الله، فإنَّ العبد إذا تمرَّد عليه أورثَه في قلبه ظلمةً وضلالة، وحرمَهُ الرزق، ولا يبالي في أي وادٍ أهلكه الله، يا غلام، إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا جعلَ في قلبه نورًا يفرقُ به بين الحق والباطل، وإني معلِّمُك أمرَ دينك واسم الله الأعظم، فإذا جُعتَ فادع الله به حتَّى يُشبعك، وإذا عطشتَ فادع الله به حتى يرويك، وإذا جالستَ الأخيار فكن لهم أرضًا يطؤوك، فإنَّ الله يغضبُ لغضبِهم ويرضى لرضاهم، يا غلام، خذ كذا حتى آخذ أنا كذا.
قال: فلم أبرح، فقال الشيخ: اللهمَّ احجبه عني واحجبني عنه. قال: فلا أدري أين ذهب، قال: فلقيني رجلٌ، حسن الثياب، حسن الوجه، طيِّبُ الرائحة، فسلَّم علي وقال: لقيتَ في طريقك شيخًا من صفته كذا وكذا؟ قلت: نعم، فبكى، فقلت: أقسمتُ عليك بالله من ذاك الشيخ؟ فقال: أخي إلياس أرسلَهُ الله إليك ليعلِّمَكَ اسمَه الأعظم، قلت: فبالله من أنت؟ قال: أنا الخضرُ، ﵇.
(١) في (خ): وشبعت بقدر أربي، والمثبت من مناقب الأبرار ١/ ٧٥، وتاريخ دمشق ٢/ ٣٧٥.