له: ما لهذا، ما لهذا خلقت، ولا به أمرت، قال: فوصلتُ إلى العراق، فعملتُ به أيَّامًا، فلم يصفُ في منها، يعني العراق، فسألتُ بعض المشايخ، فقال لي: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام، فسرتُ إلى مدينةٍ يُقالُ لها: المنصورة، وهي المصيصة، فعملتُ بها أيَّامًا، فلم يصفُ في شيءٌ من الحلال، فسألت بعض المشايخ فقال: إن أردتَ الحلال الصافي فعليك بطَرَسُوس؛ فإنَّ فيها المباحات والعملَ الكثير، فتوجَّهتُ إلى طَرَسُوس، فعملت أيَّامًا انظر البساتين، وأحصدُ مع الحصَّادين، فبينما أنا قاعدٌ على باب البحر جاءني رجلٌ فاكتراني أنظر بستانًا له، فكنتُ فيه أيَّامًا كثيرةً، فإذا بخادمٍ قد أقبلَ ومعه أصحابه، فقعدَ في مجلسه وصاح: يا ناظور، فقلت: هو ذا أنا، فقال: اذهب فأتني بأكبر رمانٍ تقدرُ عليه وأطيبه، فذهبتُ وأتيتُه بأكبر رمان، فأخذ الخادم رمانةً فكسرَها، فوجدَها حامضة، فقال: يا ناظور أنت في بستاننا منذ كذا وكذا، تأكل فاكهتنا ورمانَنا، لا تعرفُ الحلو من الحامض، قال إبراهيم: فقلت: والله ما أكلتُ من فاكهتكَ شيئًا، ولا أعرفُ الحلوَ من الحامض، فقال الخادم لأصحابه: أما تسمعون كلام هذا؟ أتراكَ لو أنَّك إبراهيم بن أدهم، زاد على هذا؟ فانصرف، فلمَّا كان من الغدِ ذكر صفتي في المسجد، فعرفني بعضُ الحاضرين، فجاء الخادم ومعه عنق من الناس، فلمَّا رأيتُهم اختفيتُ خلفَ الشجر، والناسُ داخلون، فاختلطتُ معهم وأنا هارب (١).
وقرأتُ على شيخنا الموفق ﵀ بإسناده عن إبراهيم بن بشار قال: ركبنا البحر مع إبراهيم بن أدهم، فبينما نحنُ نسير بريح طيِّبةٍ، وكانت مراكب كثيرة، فعصفت ريحٌ شديدةٌ على المراكب، فتقطَّعت، وإبراهيمُ ملفوف في عباءةٍ مستلق، فجاء أهلُ المركب إليه، فقالوا: ما ترى ما نحن فيه، وأنت مستلقٍ غير مكترث؟! فجلسَ وهو يقول: لا أفلحَ من لم يكن استعدَّ لمثل هذا اليوم، ثم حرَّك شفتيه، وإذا بهاتفٍ ينادي: من اللُّجَّة تخافون، وفيكم إبراهيمُ بن أدهم، أيُّها الريحُ والبحرُ الهائج، اسكنَا بإذن الله، فسكنَ البحرُ، وذهبت الريح حتى صار البحر كأنه دُفّ، يعني لوحًا من خشب.
وفي رواية أنَّهم لَمَّا قالوا: ما ترى ما نحن فيه من الشدَّة، قال: ليس هذا بشدَّة، إنَّما الشدَّة الحاجة إلى الناس، ثم قال: اللهمَّ قد أريتنَا قدرتك فأرنَا عفوك.