للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى الأصمعي قال: كساه أبو جعفر ساجًا، فشرب ليلةً فسكر، وخرجَ فأخذه العسس، فجاذبوه فخرَّقوا الساج، وكتبَ صاحب العسس إلى المنصور فأخبره فقال: احبسه في بيت الدجاج لتصغرَ نفسه عنده، فحبسَه فيه، فلمَّا كان في بعض الليل صحا فنادى جاريتَه، فشتمَه السجَّان، فلمَّا رأى نفسَه في بيت الدجاج قال للسجَّان: ويحك من أدخلني هاهنا؟ فقال: أعمالك الخبيثة، فقال: ائتني بدواة وبياض، فأتاه بها، فكتبَ: [من الوافر]

أمن صهباءَ صافيةِ المزاجِ … كأنَّ شُعاعها لهب السِّراجِ

تهشُّ لها القلوب وتشتهيها … إذا برزت تَرَقْرَقُ في الزُّجَاج

وقد طُبِخت بنار الله حتَّى … لقد صارت من النُّطَفِ النِّضَاجِ

أميرَ المؤمنين فدتكَ نفسي … علامَ حبستني وخَرَقْتَ ساجِي

أُقادُ إلى السُّجون بغير ذنبٍ … كأنِّي بعض عُمَّال الخراجِ

ولو معهم حُبِستُ لهان وجدي … ولكنِّي حُبِستُ مع الدَّجَاجِ

دجاجات يطيفُ بهنَّ ديك … يُناجي بالصياح إذا يناجِي

وقد كانت تخبِّرُني ذُنوبي … بأنِّي من عذابِك غيرُ ناجِ

على أنِّي وإنْ لاقيتُ شرًّا … لخيرِك بعدَ ذاكَ الشرِّ راجِي

وقال للسجَّان: أوصل هذه إلى أمير المؤمنين ولك صلة، فأوصلَها إلى المنصور، فقرأَها وأمر بإحضاره، فقال: أين بتَّ البارحة؟ قال: مع الدجاج، فقال: ما كنتَ تصنع، فقال: بتُّ أقوقي معهنَّ إلى الصباح، فقال: لعلك بِضْتَ شيئًا من البيض؟ فقال: نعم اثنتان، فضحك واستتابه، ووصلَه (١).

وقيل: إنَّ هذه الواقعةَ جرت لأبي دُلامة مع المهدي، وأن المهديَّ أمرَ بتخريق ساجه، ولهنا قال: وخرقتَ ساجي (٢).

وقال الأصمعي: كان أبو دلامة قليل الصلاة مدمنًا على شربِ الخمر، فألزمَه أبو جعفر المنصور الصلوات، ومنعَه من الشُرب، وحبسَه في قصره، فقال ينشد هذه الأبيات: [من الطويل]


(١) انظر الخبر في تاريح بغداد ٩/ ٥١٩ - ٥٢٠، والأغاني ١٠/ ٢٥١ - ٢٥٢.
(٢) انظر العقد الفريد ١/ ٢٦١ - ٢٦٢.