للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَلقح بينهم حربًا عَوَانًا … وسلَّس لاجتنابهم القِيادا

فويلٌ للرَّعية عن قليلٍ … لقد أَهدى لها الكُرَبَ الشِّدادا

وأَلبسها بلاءً غيرَ فانٍ … وأَلزمها التَّضعضُعَ والفسادا

ستجري من دمائهمُ بحورٌ … زواخرُ لا يَرون لها نفادا

فوِزْرُ بلائهمْ أبدًا عليه … أغَيًّا كان ذلك أم رَشادا

وحجَّ مع هارونَ في السَّنة أولادُه وأهلُه ووزراؤه والأمينُ والمأمون، وأَمر عبدَ الملك بنَ صالحٍ أن ينزلَ الجزيرةَ ومعه القاسم، وبعث معه الجندَ والقوَّاد، فلمَّا قضى هارونُ نُسُكَه، كتب بين محمَّد والمأمونِ كتابَين، أَجهد العلماء والفقهاء والقضاة آراءهم فيهما. ونسخةُ الكتابِ الذي كتبه الأمين:

بسم اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم: هذا كتابُ [لعبدِ الله هارون أميرِ المؤمنين] (١) كتبه محمَّد بن هارونَ أميرِ المؤمنين في صحَّةٍ من عقله وجوازٍ [من] أمره، طائعًا غيرَ مُكرَه، إنَّ أمير المؤمنين ولَّاني العهدَ من بعده، وولَّى أخي عبدَ الله العهدَ بعدي، وولَّاه خراسانَ وثغورَها وكُورَها وحربَها وجندَها وخراجَها وعشورَها وبيوتَ أموالِها ونحوَ ذلك، وعليَّ لأخي عبدِ الله الوفاءُ بما عقد له أميرُ المؤمنين من العهد والخلافةِ وأمورِ المسلمين بعدي، وما أَقطعه من قَطيعة وضَيعةٍ وحليٍّ ومالٍ وجواهرَ ومتاع ودوابَّ وأثاثٍ وقليلٍ وكثيرٍ فهو لعبد اللهِ بن أميرِ المؤمنين، وليس لمحمَّد أن يعترضَ عليه في شيءٍ من ذلك، ولا يحوِّلَ عنه قائدًا واحدًا ممَّن ضمَّه إليه أميرُ المؤمنين.

وذكر ما يتعلَّق بهذا المعنى ثم قال: فإن أراد محمَّدٌ بن أميرِ المؤمنين خلعَ عبد اللهِ عن خراسانَ وأعمالِها، أو صرفَ أحدٍ من قوَّاده الذين ضمَّهم إليه أميرُ المؤمنين، أو تنقُّضَه قليلًا أو كثيرًا (٢)، فلعبد اللهِ بن أميرِ المؤمنين الخلافةُ بعد أَميرِ المؤمنين، وهو المقدَّم على محمَّد ووليُّ الأمرِ بعد أميرِ المؤمنين، وعلى جميع القوَّاد الطاعةُ له والجهادُ لمن خالفه، وهو في حِلٍّ من البَيعة التي في أَعناقهم لمحمَّد، وليس لمحمَّدٍ


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٢٧٨.
(٢) أي: إن أراد محمَّد أن ينتقصه قليلًا أو كثيرًا مما جعله أمير المؤمنين له بوجه من الوجوه. انظر تاريخ الطبري ٨/ ٢٨٠.