للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما خُلقتْ إلَّا لجودٍ أكفُّهمْ … وأَقدامُهمْ إلَّا لأَعوادِ منبر (١)

و [حكى القاضي يحيى بنُ أكثمَ قال] كان [المأمون] (٢) يقول: لم يكن كيحيى وولدِه في الكفاية والجودِ والبلاغة والشَّجاعة نظير، ولقد صدق القائل: [من مجزوء الرجز]

أولادُ يحيي أربعٌ … كالأَربع الطبائعِ

فهم إذا اختبرتهم … طبائع الصَّنائع

فقال له ابن أكثم: الكفايةُ والجودُ والبلاغة [نعرفها]، ففيمن (٣) الشَّجاعة؟ فقال: هي واللهِ في الكلّ، خصوصًا في موسى، وقد عزمتُ على أن أولِّيَه ثَغْرَ السِّند.

وكان يحيى يُجري على سفيانَ بنِ عيينةَ في كلِّ شهرٍ ألفَ درهم، فسُمع سفيان يقول في سجوده: اللهمَّ إنَّ يحيى قد كفاني أمرَ دنياي فاكفِه أمرَ آخرته. فلمَّا مات يحيى، رآه بعضُ إِخوانه في المنام، فقال: ما صنع اللهُ بك؟ فقال: غفر لي بدعوة سفيان. [وقد ذكرناه بمعناه في ترجمة جعفرِ بن يحيى، إلَّا أنَّه ليس فيه ذِكرُ المنام] (٤).

حكاية جرت في أيَّام المأمون [تتعلق بالبرامكة:

حدَّثنا غيرُ واحدٍ عن محمَّد بنِ عبد الباقي البزَّاز بإِسناده عن] مَسْرورٍ الخادم قال (٥): استدعاني المأمونُ فقال لي: قد أَكثر عليَّ أصحابُ [أخبار] السِّرِّ أنَّ شيخًا يأتي خرابَ البرامكة، فيبكي وينتحبُ طويلًا، ثم يُنشد شعرًا يَرثيهم وينصرف، فاركب أنت ودينارُ بن عبد اللهِ واستترْ بالجدران، فإذا جاء وشاهدتماه وسمعتما ما يقول، فأتياني به.

فركبنا مُغَلِّسين، وأتينا المكان فاختفينا، فلمَّا طلع الفجر، جاء خادمٌ أسودُ وبيده كرسيٌّ من حديد، فطرحه، وجاء على أَثَره كَهْل، فجلس عليه وتلفَّت فلم يَر أحدًا، فبكى وانتحب، حتى قلتُ: فارق الدُّنيا، وأَنشد: [من الطويل]


(١) البيتان لمحمد بن مناذر، انظر طبقات الشعراء ص ١٥٢، والأغاني ١٨/ ٢٠١، ووفيات الأعيان ٦/ ٢٢٤.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (خ): ففيم، والمثبت من تاريخ بغداد ١٦/ ١٩٧ وما بين معكوفين منه، ووفيات الأعيان ٦/ ٢٢٢.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).
(٥) في (خ): قال مسرور الخادم.