للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما رأيتُ السيفَ خالطَ جعفرًا

الأبيات المتقدمة (١). فلمَّا قام قبضنا عليه، فقال: ما تريدان منِّي؟ قلنا: أميرُ المؤمنين يستدعيك، وهذا دينارُ بن عبدِ الله وأنا مسرور، فأَبلس وقال: إنِّي لا آمنه على نفسي، فأَمهِلني حتى أُوصي، قلت: شأنك. فسرنا معه، فوقف على دُكَّان رجلٍ واستدعى دواةً وبيضاء، وكتب فيها وصيَّته ودفعها إلى خادمه، وسرنا به، فلمَّا مَثُل بين يدي الخليفة زَبَره وقال: مَن أنت؟ وبم استحقَّ الرامكةُ منك ما تصنع؟ فقال غيرَ هائبٍ ولا مُحْتَشِم:

يا أميرَ المؤمنين، إنَّ للبرامكة عندي أياديَ خَضِرة، فإنْ أمر أميرُ المؤمنين حدثتُه ببعضها، فقال: هات، فقال: أنا المنذرُ بن المغيرةِ الدِّمشقي، نشأتُ في نعمة، فزالت عني حتى أَفضيتُ إلى بيع داري، وأمْلَقتُ إلى الغاية، فأُشير عليَّ بقصد البرامكة، فخرجتُ إلى بغدادَ ومعي نيِّفٌ وعشرون امرأةً وصبيًّا، فدخلتُ بهم إلى مسجد ببغداد، ثم خرجت وتركتهم جِياعًا لا نفقةَ لهم، فمررتُ بمسجدٍ فيه جماعة عليهم أحسنُ زِيّ، فجلست معهم أُردِّد في صدري ما إخاطبهم به، فتجد نفسي عنده ذلَّ السؤال (٢)، وإذا خادم قد أزعج القوم، فقاموا وقمت معهْم، فدخلوا دارًا كبيرةً ودخلت، فإذا بيحيى بن خالدٍ جالسٌ على دَكَّةٍ وسطَ بستان، فجلسنا، وكنا مئةَ رجلٍ ورجل، فخرج مئةُ خادمٍ وخادم، في يد كلِّ واحدٍ مِجْمَرةٌ من ذهبٍ فيها قطعةُ عَنْبَر، فسَجَروا العود، وأقبل [يحيي] على القاضي وقال: زوِّج ابنَ عمِّي هذا بابنتي عائشة، فخطب وعقد النّكاح، وأخذ بالنُّثار من فُتات المسكِ وبنادقِ العنبر وتماثيلِ النَّدّ، والتقط الناسُ ولقطت، ثم جاءنا الخدمُ في يد كلِّ واحدٍ صينيةٌ فيها ألفُ دينارٍ مخلوطة بالمسك، فوضع بين يدي كلِّ واحدٍ صينية، فأَقبل كلُّ واحدٍ يأخذ الدنانيرَ في كمِّه والصينيةَ تحت إِبطه ويخرج، وبقيتُ أنا وحدي لا أَجسر أَفعلُ ذلك، فغمزني بعضُ الخدمِ وقال: خذها وقم، فأَخذتها وقمت، وجعلت أمشي وأَلتفت خوفًا من أن تؤخَذَ مني، ويحيى يلاحظني من حيث لا أَفطُن.


(١) ص ٩٩، وانظر الخبر في المنتظم ٩/ ١٤٦.
(٢) في المنتظم ٩/ ١٤٦: فتحيد نفسي عن ذل السؤال.