للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صنعتَ في يومك؟ [قال: يا سيدي] حصل لي ستون ألف دينار، فقال: وأين حاصلي؟ قال: مَعْزول، قال: قد سوَّغناك الجميع (١).

ومنها أن الرشيد] مرض مرضًا شديدًا، فعالجه الأطبَّاء، فلم يُفِق من علَّته، فوُصف له رجلٌ بالهند يقال له: مَنْكه، وكان من أحذق الأطبَّاء، مع دينٍ وعبادة وفلسفة، فبعث الرشيدُ من جاء به إليه، فعالجه فبرئ، فأقام عنده مدَّة، وأجرى عليه رزقًا واسعًا وأموالًا كثيرة، فخرج يمشي يومًا في بغداد، وإذا برجلٍ قد بسط كساءه على الأرض وألقى عليه عقاقيرَ كثيرة، وقام يصف دواءً عنده مَعْجونًا ويقول: هذا دواءٌ للحمَّى الدائمة والرِّبْع والغِبِّ والمُثَلَّثة (٢)، ولوَجَع الظَّهر والرُّكَب والمفاصل، والبواسير، ووجعِ العينين والبطن، والصُّداع، وقطرِ البول، والفالج، والارتعاش.

فلم يدعْ علَّة في البدن إلَّا ذكر أنَّ في ذلك الدواءِ شفاءً منها، فقال مَنكَه لتَرجُمانه: ما يقول هذا؟ فترجم له ما سمع، فتبسَّم مَنْكَه وقال: على [كل] (٣) حال ملكُ العرب جاهل؛ وذاك لأنَّه إن كان الأمرُ على ما قال هذا، فلمَ حَمَلني من بلادي، وقطعني عن أهلي، وتكلَّف لي مؤنةً، وهو يجد هذا نُصبَ عينيه؟! فإنْ كان الأمرُ بخلاف هذا، فلمَ لا يقتله؟! لأنَّ الشريعة قد أباحت دمه ودمَ مَن أشبهه، لأنَّه إذا قتله، فإنَّما هي نفسٌ يحيا بقتلها خلقٌ كثير، فإنَّه إن تُرك بهذا الجهل قتل كلَّ يومٍ نفسًا أو اثنين أو ثلاثةً أو أربعة، وهذا فسادٌ في التدبير ووَهْنٌ في المملكة.

وسأل الرشيدُ عبدَ الله بن مصعبٍ الزُّبيريَّ (٤) عن الذين طعنوا على عثمانَ رضوان الله عليه، فقال له: طعن عليه ناسٌ وكان معه ناس، فأمَّا الذين طعنوا عليه فتفرَّقوا، فمنهم أنواعُ الشِّيع والخوارج، وأما الذين كانوا معه، فأهلُ الجماعةِ إلى اليوم، فقال له: ما أحتاج أن أسألَ عنها أحدًا بعدك. وسأله عن منزلة أبي بكرٍ وعمرَ رضوانُ الله عليهما كيف كانت من رسول اللهِ ، فقال: كانت منزلتُهما في حياته مثلَ منزلتهما في مماته (٥).


(١) تاريخ الطبري ٨/ ٣٥٠ - ٣٥١ وما بين حاصرتين منه، والقصة الآتية فيه ٣٥٢.
(٢) الحمى الربع: أن يُحَمَّ يومًا ويتركَ يومين لا يحم ويحم في اليوم الرابع. الغب: أن تأخذ يومًا وتدع آخر. والمثلثة: التي تقلع يومين وتعود في الثالث. لسان العرب (ربع) (غبب) ومعجم متن اللغة (ثلث).
(٣) ما بين حاصرتين من (ب)، والخبر في تاريخ الطبري ٨/ ٣٥٢.
(٤) في (خ): اليزيدي، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٣٥٣.
(٥) فقال: كفيتني ما أحتاج إليه. كذا في تاريخ الطبري.