للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصمُّ قال: قال شقيق: قرأت أربعةً وعشرين كتابًا في التوحيد، فوجدت معانيهَا في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢].

وقال حاتم: حجَّ شقيق، فقدم الكوفة، فلقيه سفيانُ الثوريُّ فقال له: أنت الذي تدعو إلى التوكُّل وتمنع من المكاسب؟ فقال شقيق: ما قلت، قال: فقال له: فكيف قلت؟ قال: قلت: حلالٌ وحرام [و] فيما بين ذلك، وإنَّما دخلت الآفةُ من الخاصَّة على العامة، وهم خمسُ طبقات: العلماء، والزهَّاد، والغزاة، والتجَّار، والملوك.

فأما العلماءُ، فهم ورثة الأنبياء، والأنبياءُ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلم، فإذا كان العالِمُ طامعًا جامعًا، فالجاهل بمَن يقتدي! وأما الغُزاة، فهم الذين يَذبُّون عن الدِّين، فإذا كان الغازي يقعد عن الجهاد ويحبُّ الراحة، فمن يغزو! وأمَّا التجار، فهم أمناءُ الله في أرضه، فإذا كان الأمينُ خائنًا، فبمن يقتدي المودع (١)! وأمَّا الملوك، فهم الرُّعاة، فإذا كان الراعي هو الذئبُ، فالذئب كلُّ ما وجده يأكله، فقد فسدت المكاسبُ وانسدَّت طرقها. فقال له سفيان: صدقت.

وقال حاتم: دخل شقيقٌ الرَّي، فأتاه فيها محمَّد بن مقاتل الرازي، فقال له: إن رأيتَ أن تجعلَ مقامك عندي أنت وأصحابُك إلى أن ترحلَ فافعل، فقال شقيق: أخاف أن تظهرَ مني على عيبٍ فتبعدني، ثم أرجع إليك فلا تقبلني، فدعني مع مَن أنا معه على العيوب، وهو يرزقني، وإذا اطَّلع مني على زلَّة سترني.

وقال حاتم: سأل شقيقٌ جعفرَ بن محمَّد الصادقَ عن التوكُّل، فقال: ما تقول أنت يا شقيق؟ فقال: إن أُعطينا شكرنا، وإن مُنعنا صبرنا، فقال جعفر: وكلابُ المدينةِ عندنا عنه لك، فقال: فما تقول أنت يا ابنَ رسولِ الله ؟ فقال: إن مُنعنا صبرنا، شأن وجدنا آثرنا.

وقال شقيق: قرأت القرآن عشرين سنةً أميِّز بين الدنيا والآخرة، فوجدته في حرفين: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ (٢) [النحل: ٩٦].


(١) في تاريخ دمشق ٨/ ٩٩: فالخائن بمن يقتدي.
(٢) في طبقات الصوفية ص ٦٤، والحلية ٨/ ٦٥، ومناقب الأبرار ١/ ١٨٠ مكانَ هذه الآية قولُه تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠].