للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيتِ الذي نحن فيه، وأحجموا عنه، وقمت خلف الحُصُر التي (١) في البيتِ، وأخذ محمَّد بيده وسادة وجعل يقول: ويحكم أنا ابنُ عمِّ رسولِ الله ، أنا ابن هارون، أنا أخو المأمون، الله الله في دمي.

فدخل عليه رجلٌ يقال له: خُمارويه، غلامٌ لقريشٍ الدنداني مولى طاهر، فضربه على رأسه بالسيف، وضربه محمَّد بالوسادة في وجهه، واتَّكأ عليه ليأخذَ السيف منه، فصاح خُمارويه (٢) بالفارسية: قتلني قتلني، فدخل عليه جماعة، فنخسه واحدٌ منهم بالسيف في خاصرته فوقع، وركبوه فذبحوه ذبحًا من قفاه، وأخذوا جُثَّته وتركوها في جلٍّ (٣) وحملوها، فلما طلع الفجرُ قالوا: هاتِ العشرةَ آلاف درهم، فأخذوها وخلَّوا سبيلي.

قال أحمد: وبعث هَرْثَمَةُ إلى طاهرٍ عبدَ السَّلام بنَ العلاء صاحبَ حرسه يقول له: ما خبرُك؟ فقال طاهر: يا غلام، هات الطَّست، فجاء به وفيه رأسُ محمَّد فقال: هذا خبري، فأَعلِمْه. فلما عاد الرسولُ إلى هَرْثَمَةَ وأخبره بكى وقال: لعن اللهُ الأعور، فعلها. وأقام أيامًا حزينًا باكيًا، ثم أصبح طاهرٌ فنصب رأس محمَّد على البستان الذي يلي بابَ الأنبار، وفتحَ الباب، وخرج أهل بغدادَ ينظرون إليه وطاهرٌ يقول: هذا رأسُ المَخْلوع، وفي وجهه ضربةٌ وفي رأسه ضربة.

وبعث طاهر بالرأس والقضيبِ والبُردة والخاتَم والمصلَّى -وكان من سَعَفٍ مُبَطَّن- إلى المأمون مع محمَّد بنِ مصعب (٤) ابنِ عمِّ طاهر، فأَدخل الحسنُ بن الفضل الرأسَ على تُرْس إلى بين يدي المأمون، فلمَّا رآه سجد، وأمر للذي جاء به بألف دينار (٥).

وقال رجلٌ (٦) من أهل خراسان: مَن قتله؟ قالوا: قُريش الدَّنداني، فقال: سبحانَ


(١) في (خ): الذي.
(٢) في (خ): حمرويه، وفي المنتظم ١٠/ ٤٧: حميرويه، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٧، وتاريخ الإِسلام ٤/ ١٠٥٢.
(٣) الجل: ما تلبسه الدابة لتصان به، يضم ويفتح. القاموس المحيط (جلل).
(٤) كذا في تاريخ الإِسلام ٤/ ١٠٥٣، والوافي بالوفيات ٥/ ١٣٨، وفي تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٨: محمَّد بن لحسن بن مصعب، وفي الكامل ٦/ ٢٨٧: محمَّد بن الحسين بن مصعب.
(٥) في تاريخ الطبري وتاريخ الإِسلام والوافي: ألف ألف درهم.
(٦) في (خ): لرجل، وما أثبتناه الصواب، وانظر تاريخ الطبري وابن الأثير.