للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله! كنَّا نرى أنَّ قريشًا تقتله، فكنَّا نذهب إلى القبيلة، فوافق الاسمُ الاسمَ.

ولمَّا وصل الرأس إلى مَروَ ورآه الفضلُ بن سهل، بكى وقال: لعن اللهُ الأعور، لقد سلَّ إلينا ألْسُنَ الناس وسيوفَهم، أمرناه أن يبعثَ به إلينا أسيرًا، فبعث به إلينا عَقيرًا، فقال له المأمون: قد كان ما كان، فاحتلْ في الاعتذار منه.

وذكر الصُّولي أنَّ الرأس لما حضر عند المأمون، بكى وتحسَّر وتلهَّف، فقال له الفضل بنُ سهل: اِحْمَد الله الذي أراك عدوَّك في حالة يودُّ لو رآك في مثلها، فقال: أنا ومحمَّد كنا كما قال زهير (١): [من الوافر]

شفيتُ النَّفْسَ من حَمَل بن بدرٍ … وسيفي من حُذَيفَة قد شفاني

فإنْ أكُ قد بَرَدْتُ بهم غليلي … فلم أقطعْ بهم إلَّا بَناني

ثم قال المأمون: إنِّي تذكَرت قليلَ محمد مع كثرة عُقوقه لي، أمر لي الرشيدُ يومًا بمئة ألفِ دينار وله بمئتي ألف دينار، فأتيته فبشَّرته، فقال: يا أخي لعل في نفسك من تفضيلي عليك ما تتأثَّر به، وقد وهبتَ لك الجميع، فأعطاني إياها. فقال له الفضل: كيف تَحْمَد على بَذْلِ المال مَن شَّح على بقاءِ النفْس؟ فقال: فذاك الذي يُسلِّيني عنه. وأمر بالرأس فطِيف بها في خُراسان.

وكتب طاهرٌ إلى المأمون: أما بعد: فالحمد لله الكبيرِ المتعال، ذي العزَّة والجلال، الذي إذا أراد أمرًا فإنَّما يقول له: كن فيكون، وكان مما قدَّر [اللهُ] (٢) وأحكم ودبَّر انتكاثُ المخلوع ببيعته، وارتكاسُه (٣) في فتنته، وقضاؤه عليه بالقتل بما كسبت يداه، وأنَّ الله ليس بظَلَّام للعبيد، وقد كتبتُ إلى أمير المؤمنين أُخبره بإحاطة جند الله ببغداد، وإحداقِهم بطُرقها ومَسالكها، وسفنِها ومَعابرها ومَسالحِها، وحَدْري السفنَ والزَّواريق والمجانيقَ والمقاتلة إلى ما واجه الخُلدَ وبابَ خُراسان، تحفظًا بالمخلوع، وتخوُّفًا من أن يروغَ مَراغًا، أو يَسلكَ مَسلكًا يجد به السبيل إلى إقامة الفتنِ


(١) كذا في (خ)، والصواب: قيس بن زهير العبسي. انظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١/ ٢٠٣، والتذكرة السعدية ص ٦٣.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٩.
(٣) في (خ): ارتكابه، والمثبت من تاريخ الطبريّ.