للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسفك الدِّماء، بعد أن خذله اللهُ وحصره، وبمتابعة (١) الرسلِ لي بما يعرض عليه هَرْثَمَةُ بن أعين، ويسألني من تخلية الطريقِ له في الخروج إليه، وكراهيتي ما أحدث وزراؤه في أمره بعد أن قطع الله رجاءه من كلِّ حيلة، وانقطاعِ المنافع عنه، وحيل بينهم وبين ما يشتهون من الماءِ وغيره، حتى همَّ به خدمه وأشياعُه من أهل المدينة، وعزموا على الوثوب به للدِّفاع عن أنفسهم.

ثم إنِّي فكَّرت وروَّيت الفكر فيما دبَّره هَرْثَمَةُ في أمر المخلوع، وما عرض عليه وأجابه إليه، فوجدت الفتنةَ قائمة في تخلُّصه من موضعه الذي أنزله فيه الذل والصَّغار، وصيَّره فيه الضيقُ والحصار، لا يزيد ذلك أهلَ التربُّص في الأطراف إلا طمعًا وعتوًّا وانتشارًا، فأنكرت على هَرْثَمَةَ ما أطمعه فيه وأجابه إليه، فقال: لا سبيلَ إلى الرجوع عمَّا أعطيته.

ثم اتَّفقوا على أن يسلِّمَ إلي رداءَ رسولِ الله وسيفَه وبُرْدَه والقَضيبَ والخاتم قبل خروجه، وأُخَلِّيَ له طريقَ الخروج إلى هَرْثَمَة، كراهيةَ أن يكون بيني وبينه اختلافٌ نصير منه إلى أمر يُطمع الأعداءَ فينا، واتفقنا على أن نجتمعَ عشيةَ السبت.

فتوجَّهت في خاصَّة ثقاتي الذين أعتمد عليهم وأثق بهم إلى باب خُراسان، وكنت قد أعددت حرَّاقاتٍ لأركبَها بنفسي لوقت الميعادِ الذي بيني وبين هَرْثَمَة، فركبت فيها، وركبت معي خاصَّتي، وجعلت بين باب خُراسانَ والمَشْرعةِ فرسانًا ورجالة، وأقبل هَرْثَمَةُ حتى سار بقرب مشرعةِ باب خُراسانَ مُعِدّا مُسْتَعدًّا، وقد خاتلني بالرِّسالة إلى المخلوع؛ ليخرجَ إليه ويحملَ معه البردةَ والقضيب والخاتمَ فيسلِّم الجَميع إلى هَرْثَمَة، فلمَّا وافى المخلوعُ باب خُراسان، مرَّ بالذين وكَّلتهم بحفظ المشرعة، وكنت قد تقدَّمت إليهم ألا يمكِّنوا أحدًا من العبور إلَّا بأمري، فبادرهم نحوَ المشرعة، وقرَّب هَرْثَمَةُ إليه الحرَّاقة، فسبق الناكثُ أصحابي إليها، وتأخَّر كوثرٌ عنه ومعه رداءُ رسول الله والسيفُ والبُردة والقضيب والخاتَم، فظفر بكوثرٍ بعضُ أصحابي، وهو قريشٌ مولاي، فأخذه وأخذ ما معه.


(١) معطوف على قوله: أخبره بإحاطة جند …