للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنفر بعضُ أصحاب المخلوعِ عندما رأوا من إرادة أصحابي منعَ المخلوع من الخروج، فبادر بعضُهم حراقةَ هَرْثَمَة، فتكفَّأت بهم، فغرق بعضُهم، ورمى المخلوعُ بنفسه من الحرَّاقة في دجلةَ متخلِّصًا إلى الشطّ، نادمًا على ما كان من خروجه، ناقضًا للعهد، داعيًا بشعاره، فابتدره عدَّة من أوليائي عَنوةً وقهرًا، بلا عقدٍ ولا عهد، فعرض عليهم مئةَ حَبَّة، ذُكر أنَّ قيمة كلِّ حبةٍ ألفُ درهم (١)، فأبوا إلا الوفاءَ لخليفتهم، وصيانةً لدينهم، وإيثارًا للحقِّ الواجب عليهم، فتعلَّقوا به كلٌّ يريد الحُظْوةَ عندي، وازدحمت عليه أسيافُهم، فأُتيح له مُتَغَيِّظ لله ودينه ورسولهِ وخليفته، فأتى عليه، وأصبح الناسُ بين مكذب ومصدِّق، فأزلتُ الشبهةَ بأن نصبتُ رأسه، فنظروا إليه ليَصِحَّ يَقينُهم (٢)، وتنقطعَ أطماع نَغَل القلوب، فلْيهنِ أميرَ المؤمنين هذا الفتحُ العظيم، وأسأل الله العظيم أن يجمعَ له خيرَي الدنيا والآخرة.

وبلغ إبراهيمَ بن المهديِّ كتابُه فقال: كذب الأعور، واللهِ ما قتله إلَّا عنادًا لله ولرسوله، وما ارتكب محمَّد ما يُستباح به دمُه، وإنَّ الأعور لتحدِّثه نفسه بأمورٍ سوف يُظهرها، وإنَّ في رأسه لغَدرة، أليس هو القائل مُفْتَخرًا: [من الوافر]

مَلَكتُ الناسَ قَهْرًا واقتِسارًا … وأذْلَلْتُ (٣) الجَبابرةَ الكِبارا

ووَجَّهْتُ الخلافةَ نحو مَرْوٍ … إلى المأمون تَبتَدِرُ ابتدارا

حَصَرْتُ المُتْرَفَ المَخلوعَ حتى … نَسَجْتُ من الدِّماء له إزارا

فتَكْتُ به برَغْم أُنوفِ قومٍ … ولو نَطَقوا لصاروا حيث صارا

وهو القائل: [من المتقارب]

قتلتُ الخليفةَ في داره … وأنْهَبْتُ بالسَّيف أمواله (٤)

وقال الصُّولي: تواترت على محمَّد أسبابٌ قبل قتله تدلُّ على إدبار أمره، جلس ليلةً وعنده إبراهيمُ بن المهديِّ في مَنْظَرةٍ بالخُلد، وكانت ليلةً مُقْمِرة، فاستدعى جاريةً له


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٩١: مئة ألف درهم.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٩٢: بعينهم.
(٣) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٩٩: قسرًا واقتدار وقتَّلت.
(٤) تاريخ الطبري ٨/ ٤٩٩.