للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وحبسني غِلمانُه في بيت من بيوت الدارِ فيه بوارٍ ووسائد، وفي زاويته (١) حُصُرٌ مُدرجة، وأوقدوا عليَّ سراجًا، فلمَّا ذهب من الليل ساعة، إذا بحركة الخيلِ ودقِّ الباب، ففُتح، فدخلوا وهم يقولون: بِسَر (٢) زُبَيدة، فأُدخل محمَّد وهو عُريانُ عليه سراويلٌ وعمامة مُتَلثِّم بها، وعلى كتفيه خرقةٌ خَلَقة صغيرة، وخرجوا، فنظر إلي، فبكيت، فقال: مَن أنت؟ قلت: مولاك، قال: وأيّ الموالي؟ قلت: أحمد بنُ سلام صاحبُ المظالم، فقال: أعرفك، قد كنتَ تأتيني بالرقَّة ثم تُلطفني، وقال: لستَ مولاي، بل أنت أخي ومني، ثم قال: يا أحمد، أدنُ مني وضمَّني إليك، فإني أجد وَحْشةً شديدة، قال: فضممته إلى، فإذا قلبه يخفق خفقانًا شديدًا، فلم أزل أضُمّه حتى سكن.

ثم قال: ما فعل أخي عبدُ الله؟ أحيٌّ هو؟ قلت: نعم، قال: قبَّح الله صاحبَ البريد ما أكذبَه، كان يقول: إنه مات، شِبهَ المُعْتَذِر من مُحاربته، قال: فقلت: بل قبَّح اللهُ وزراءك؛ فإنَّهم هم الذين أوردوك هذا المَوْرِد، فقال: يا أخي، لا تقل في وزرائي إلَّا خيرًا، ما لهم ذنب، ولستُ أوَّلَ مَن طلب أمرًا ففاته، وليس هذا بمَوْضع عِتاب، ثم قال: يا أحمد، ما تراهم يصنعون بي؟ أيقتلوني أم يَفون لي بأمانهم؟ قلت: بل يَفون لك يا سيِّدي، قال: وعليه خِرقةٌ لا تُواريه، وجعل يضمّها بيديه لئلَّا تقعَ عن كتفه، وعليَّ مبطنة، فنزعتها وقلت: اِلبسها يا مولاي، فقال: لا أفعل، مَن كانت هذه حالتَه فهذه الخِرقة له كثير، وبكى وبكيت، وجعل يستغفر ويتوب وبذكر الله.

فبينا نحن على ذلك، إذا بداقٍّ يدقُّ الباب، فدخل، فإذا به محمَّد بن حُمَيد الطَّاهري، فنظر في وجهه وخرج، فعلمت أنه مقتولٌ لا محالة، فلمَّا كان بعد ساعةٍ وقد قمت لأُوترَ وهو يقول: يا أحمد، لا تبعد عني، وصلّ قريبًا مني، فإنِّي أجد وحشة، وإذا بحركة الخيل ودقِّ الباب، ففتح ودخل أصحابُ طاهرٍ من المعجم وبأيديهم السيوف مُسْلَلة، فلما رآهم محمد قام قائمًا، وجعل يسترجع ويقول: ذهبتْ نفسي في سبيل الله، أمَّا من حيلة! أما من مُغيث! أما من مُجير؟! وجاؤوا حتى قاموا على باب


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٥: فيه بوار ووسادتان أو ثلاث، وفي رواية.
(٢) أي: ابن، بالفارسية. المعجم الذهبي ص ١٥٧.