للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما [كان] (١) ذاك سوى عاريةٍ رجعتْ … إليك (٢) لو لم تُعِرها كنتَ لم تُلَمِ

وقام علمُك بي (٣) واحتجَّ عندك لي … مقامَ شاهدِ عدلٍ غيرِ متَّهم

فقال المأمون: إنَّ من الكلام ما يُشبه الدُّرّ، وهذا منه.

وأمر له بخِلعة من ثيابه، ومركبٍ من مراكبه، وقال له: يَا عمّ، إنَّ أَبا إسحاقَ والعباسَ أشارا عليَّ بقتلك، قال: يَا أميرَ المؤمنين، فما قلتَ لهما؟ قال. قلت: إنَّ له قرابةً قريبة، ورَحِمًا ماسَّة، وقد ابتدأناه بأمير ينبغي أن نتمَّه، فإن نكث فاللهُ مغيِّر ما به. قال إبراهيم: أمَّا أن يكونا نصحاك، فقد -لَعَمرو الله- فعلَا، ولكن أبيتَ إلَّا ما أَنْتَ أهلُه، فقال المأمون: مات حقدي بحياة عذرك، وأعظمُ من عفوي أني لم أجرِّعك مرارةَ امتنانِ الشافعين.

وقال الفضلُ بن مروان: لما دخل إبراهيمُ على المأمون، كلَّمه بكلامٍ كان سعيدُ بن العاص كلَّم به معاويةَ بن أبي سفيانَ في سَخطةٍ سخطها عليه فاستعطفه به، وكان المأمونُ يحفظ الكلام، فقال: يَا إبراهيم، هيهات، سبقك بهذا الكلامِ فحلُ بني العاص (٤) وفارسُهم (٥) سعيد يخاطب به معاوية، قال إبراهيم: يَا أميرَ المؤمنين، وأنت أَيضًا إن عفوتَ فقد سبقك فحلُ بني حربٍ وقارحُهم إلى العفو، فلا يكن حالي عندك في ذاك أبعدَ من حال سعيدٍ عند معاوية، فأنت أشرفُ منه، وأنا (٦) أشرفُ من سعيد، وأقربُ إليك من سعيدٍ عند معاوية، وإنَّ من أعظم الهُجنة أن تسبقَ أميةُ هاشميًّا (٧) إلى مَكرمة. فقال: صدقتَ يَا عمّ، فقد عفوتُ عنك.


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في (خ): إلى، والمثبت من المنتظم ١٠/ ٢١٥.
(٣) في (خ): لي. والمثبت من المنتظم ١٠/ ٢١٥. وبعض الأبيات في أشعار أولاد الخلفاء ص ١٩، والأغاني ١٠/ ١١٩.
(٤) في (خ): العباس، وهو خطأ، والمثبت من الأغاني ١٠/ ١٢٤، والمنتظم ١٠/ ٢١٦.
(٥) في الأغاني والمنتظم، وقارحهم. والقارح: الأسد، والقارح من ذي الحافر بمنزلة البازل من الإبل. القاموس المحيط (قرح).
(٦) في (خ): وأنت.
(٧) في الأغاني والمنتظم: هامش.