للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأنَّ صغرى وكُبرى من فواقعها … حصباءُ دُرٍّ على أرضٍ من الذَّهبِ

فكيف لو رآه معاينة. وكان أبو نُواسٍ قد مات.

و [قال أبو حسَّان الزِّيادي:] (١) كان مقامُ المأمونِ عند الحسن [بنِ سهل] وذهابُه ومجيئُه أربعين يومًا، وعاد إلى بغدادَ يومَ الخميس لإحدى عشرةَ ليلةً خلت من شوَّال. وقيل: إنَّه خرج من بغدادَ لثمانٍ خلونَ من رمضان، وعاد إليها لتسعٍ بقين من شوال.

قال الخَطيب (٢): [بلغنا أنَّ الحسن بنَ سهلٍ نثر على المأمون ألفَ حبّةِ جوهر، وأشعل بين يديه شمعةَ عنبر وزنُها مئةُ رَطل، ونثر على القوَّاد رِقاعًا فيها أسامي ضِياعه، فمن وقعت بيده رقعةٌ أشهد له الحسنُ بها]. وكان الحسن يُجري مدةَ إقامةِ المأمون [عنده على ستَّة وثلاثين ألفَ ملَّاح، فلمَّا أراد المأمون] أن يصاعدَ إلى بغداد، أمر له بألف ألفِ دينار، وأقطعه مدينةَ الصِّلح.

[وقد ذكرنا أن المأمون تزوَّج بُورانَ في السَّنة الحادية بعد المئتين لمَّا زوَج ابنتَه من عليِّ بن موسى الرضى، ولم يدخلْ بها إلَّا في هذه السَّنة، سنةِ عشرٍ ومئتين.

قلت: وقد ذكر ابنُ عبد ربِّه في كتاب "العِقد" (٣) حكايةً طويلة، حاصلها أنَّ إسحاقَ بن إبراهيمَ الموصليَّ خرج ليلة في بغداد، فدخل زُقاقًا، فرأى فيه زِنبيلًا معلَّقًا بحبالٍ من الإبرِيسَم، والزنبيل مجلد، وأنه قعد في الزنبيل، فاستاقُوه إلى دارٍ فيها أنواعُ الفرش، وفيها جوارٍ كالدُّمى، وأنه رأى مجامرَ العُود والنَّدِّ (٤) والمتاعِ ما لم يشاهدْه في دار الخلفاء، وأنه رأى امرأةً على سريرٍ من الذهب لم يشاهِدْ في الدنيا مثلَها حسنًا وجمالًا، وأنه جالسها وشرب معها ونادمها وغنَّى لها، ولمَّا طلع الفجر، حملوه وألقَوه في الزنبيل ودلَّوه إلى الزُّقاق، وأنه طلع إليها مِرارًا، وأنه حكى للمأمون صورةَ الحال وقال للجارية: لي صديق، وأريد أن أُحضرَه عندك، وأنَّها أجابته، وأنَّ المأمونَ صعد إليها في الزنبيل وشرب عندها، ولما ثمل وأخذ منه الشرابُ عرَّفها نفسَه، وأن


(١) ما بين حاصرتين من (ب). وانظر تاريخ الطبري ٨/ ٦٠٩.
(٢) في تاريخه ٨/ ٢٨٦، وما سيرد بين حاصرتين من (ب).
(٣) ٦/ ٤٥٦ فما بعد. وما بين حاصرتين من (ب).
(٤) الزنبيل: الجِراب، وقيل: الوعاء يُحمل فيه. والنَّدُّ: الطِّيْب أو العَنْبَر. القاموس (زبل، ندد).