للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرددنا عليه السلام، وكنت أنا وإسحاقُ بن إبراهيمَ الرافقيُّ وإسحاقُ بن أبي ربعي، ونحن نساير عبدَ الله بن طاهر، وكانت كِسوتنا أحسنَ من كسوة ابنِ طاهر، ودوابُّنا أَفرهَ من دابَّته، فجعل الأعرابيُّ ينظر في وجوهنا، فقلنا: يَا شيخ، قد ألححتَ في النظر إلينا، عرفتَ شيئًا أم أنكرتَه؟ فقال: لا واللهِ ما عرفتكم قبل يومي هذا، ولا أنكرتكم لسوءٍ أراه فيكم، ولكني رجلٌ حسن الفراسةِ في النَّاس، جيِّدُ المعرفة بهم، فأشرتُ إلى إسحاقَ بن أبي ربعي وقلت: ما تقول في هذا؟ فقال: [من الطَّويل]

أرى كاتبًا جاهُ (١) الكتابة بيِّنٌ … عليه وتأديبُ العراقِ منيرُ

له حركاتٌ قد يشاهِدنَ أنَّه … عليمٌ بتقسيط الخَراجِ بصيرُ

ونظر إلى إسحاقَ بن إبراهيمَ الرافقيّ وقال:

ومُظهِر نُسْكٍ ما عليه ضميرُه … يحبُّ الهدايا بالرِّجال نكيرُ (٢)

إِخالُ به جُبنٌ وبخلٌ وشيمةٌ (٣) … تخبِّر عنه أنَّه لوزيرُ

ثم نظر إليَّ وقال:

وهذا نديمٌ للأمير ومؤنسٌ … يكون له بالقُرب منه سرورُ

أخا أدبٍ للشِّعر والعلمِ راويًا … فبعضُ نديمٍ مرَّةً وسميرُ

ثم نظر إلى الأمير وقال:

وهذا الأميرُ المرتجَى سَيبُ كفِّه … فما إنْ له فيمن رأيتُ نظيرُ

عليه رداءٌ من جَمالٍ وهيبةٍ … ووجهٌ بإتيان النَّجاحِ بشير

لقد عَظُمَ الإِسلامُ [منه] (٤) بذي يدٍ … به عاش معروفٌ ومات نكير

أَلَا إنَّما عبدُ الإله ابنُ طاهرٍ … لنا والدٌ بَرٌّ بنا وأمير

فوقع ذلك من عبد اللهِ بن طاهرٍ أحسنَ موقع، وأَعجبه ما قال الشيخ، وأمر له بخمس مئةِ دينار، وجعله في صَحَابته.


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٦١١، وابن الأثير ٦/ ٣٩٧: داهي.
(٢) في تاريخ الطبري وابن الأثير: مكور.
(٣) في تاريخ الطبري وابن الأثير: إخال به جبنًا وبخلًا وشيمةً.
(٤) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري وابن الأثير.